أن تبني حضارة يعني أن تبني الإنسان أولا، بحيث ان الاستثمار البشري هو أهم أوجه الاستثمار على الصعيد العالمي نظرا لأن الذي يبني الحضارات هم الشعوب المتقدمة والراقية، وعليه فإن تقدم الإنسان يعني تقدم العالم أجمع.
وقد يعتقد البعض أن بعض العلوم كعلم الاجتماع والنفس والتربية من العلوم الثانوية وأن العلوم التطبيقية والتكنولوجية هي الأهم نظرا لأن التعامل معها مباشر وأثرها يُرى بالعين المجردة أما العلوم السالفة الذكر فتحتاج إلى شدة ملاحظة وتتبع لتقدم الإنسان وتغير سلوكه.
وعلى الرغم من أن العلم الذي تستفيد منه البشرية لما كان له أن يصل إلينا لولا أن الظروف المجتمعية قد تهيأت لهؤلاء العلماء حتى ينتجوا لنا هذا العلم فقليل جدا من العلماء الذين بنوا أنفسهم بالرغم من شدة الظروف الاجتماعية والنفسية المحيطة بهم، إلا أن الأغلبية توافرت لها الظروف إن لم تكن ضمن عائلته فمن خلال الدول التي ينتمون إليها، فهناك حكومات تقترب كثيرا من مواطنيها وترعى الفرد بشكل كبير حتى أن البعض يعتبر الدولة أهم من العائلة لأن البيئة المجتمعية المحيطة به تساعده على تخطي ظروفه الاجتماعية السيئة.
اليوم نحن في مجتمعاتنا العربية ما زلنا شعوب نامية وعلى الرغم من استيرادنا للعلم الذي طور مجتمعات أخرى، إلا أننا ندرس العلم دون أن ندرس بالتالي آلية تطبيق هذا العلم على أرض الواقع من جانب ومن جانب آخر كيفية زرع التقبل لدى الأفراد لمفاهيم العلوم النفسية والمجتمعية والتربوية.
إن اكثر ما يؤسف هي الانتهاكات المتكررة للطفولة لدينا والدول بالتأكيد مجتمعة وبفضل من الأمم المتحدة وضعت قوانين لحماية الأطفال من الانتهاكات الأسرية، إلا أن دولنا بعيدة عن أطفالها ودائما ما يظهر قصور كبير في ملاحظة أي انتهاكات قد حدثت ولا توجد حقيقة جدية في توفير بيئة ملائمة للأطفال، لأن عائلاتهم أيضا مشتركون بهذا الإهمال، حيث ان المتابعة من قبل الدولة تحتاج إلى فريق عمل ضخم قد لا يتوافر في كافة المجتمعات لأسباب عديدة.
اليوم ونظرا لانتشار العنف في المدارس بشكل كبير وملحوظ- حتى أنه بات سلوكاً يُمارس من قبل بعض الفئات الشابة خارج أسوار المدرسة- يجب على الدول نزع بذور الشر رغما عن إرادة الأسرة.
فهناك نظريات في علم النفس كثيرة يمكن تطبيقها على الأطفال والتعرف من خلالها إذا كان هذا الطفل يتعرض لانتهاكات وسلوكيات خاطئة من قبل أفراد أسرته ولو كانت هذه النظريات التي وضعها علماء النفس غير صحيحة لما تقدمت الدول التي طبقتها، فالاخصائيون النفسيون والاجتماعيون في المدارس لابد أن يكون لهم دور اكبر في حماية الأطفال حتى ولو وصل الأمر إلى أن تسحب الدولة الطفل من عائلته إذا ما أثبت أن هناك ممارسات خاطئة ضد هذا الطفل، فيكون سحبه من عائلته ووضعه في بيئة بديلة قد يكون افضل من الاستمرار في عائلة تربي لنا مجرمين أو تؤثر سلباً على الصحة النفسية للأفراد، فيكون اكبر عقاب للأسرة التي لا تحترم حقوق أطفالها بمعاقبتهم بحرمانهم لفترة من أطفالهم بدلا من الاستمرار في أسرة غير سليمة.
ونحن بهذا الصدد نتحدث عن الانتهاكات الكبيرة التي يتعرض لها الأطفال من ضرب مبرح قد يؤثر على سلامة قواهم العقلية متى ما كان أطفالهم معرضين للمرض النفسي وغيرها من الاعتداءات الكثيرة التي في حقيقتها جرائم بحق الطفولة لا أحد يعلم بها.