تتميز طبيعة العمل الحكومي بأنها إدارية صرفة تخضع لمجموعة من الضوابط واللوائح التي لا يجوز لها أن تخالف التشريعات بأي صورة كانت، وتستمر الشكوى والتذمر المستمر من قبل فئة كبيرة من الموظفين عن طبيعة وآلية العمل الحكومي الذي يعتبرها البعض أنها لا توفر بيئة صالحة للإبداع والابتكار، هذا فضلا عن اتهامها بأنها لا تقدر الكفاءات وتعتمد على نظام نمطي في الترقيات قد تظلم أحيانا أصحاب الكفاءات تطبيقا لمبدأ الأقدمية.
هذه الاتهامات التي تطول الحكومة دوما تأتي من عدم الإلمام بطبيعة العمل الحكومي والإداري في مختلف أنحاء العالم، وهذا ليس لدينا فقط، فعمل الحكومة يختلف اختلافا كليا عن العمل في القطاع الخاص الذي يرتكز على الربح بالدرجة الأولى لتتم المفاضلة بين العاملين لديه في الترقيات.
فجميع مؤسسات الحكومة تعتبر مرافق عامة غير ربحية، وتعمل الحكومة مجتمعة على تسيير هذه المرافق بانتظام واطراد، وهذه هي طبيعة العمل الحكومي فلا توجد في الحكومة قفزات مالية أو حتى إدارية لمن يعتبر نفسه فذاً ويريد أن يحسن من أوضاعه المجتمعية، فبالتالي الإبداع والابتكار والأفكار ليست من شأن الحكومة أن تطبقها لأنها دولة لديها تشريعات ولوائح لا يمكنها حتى مخالفتها، وهي بالتالي متى ما قررت تعديل آلية تنفيذ أعمال محددة يتطلب هذا الأمر دراسة وافية وتشريعات ولوائح عديدة لتتمكن من تطبيقه لأنها لا تستطيع تطبيقه على جهة حكومية دون الأخرى حتى إذا متى ما اضطرت الدولة لتطبيق آلية جديدة فعليها إعداد الكوادر الوطنية ليتمكنوا من تنفيذ هذه الآلية، وهذا ما لاحظناه مؤخرا لدى تنفيذ الحكومة للحوكمة والتراسل الإلكتروني وغيرها من الآليات الجديدة التي طبقتها، وهي عادة تمر ببطء وتحتاج لزمن طويل لتتمكن من إعداد وتدريب الكوادر الوطنية لتنفيذ هذا العمل.
ويعتبر تقييم الإنتاجية في العمل الحكومي أشبه بالسيف على رقبة الحكومة إلى الآن لم تتمكن من الوصول للآلية لتقيم إنتاجية الموظفين، فإن قامت بتقييم موظفيها للحصول على الترقيات وفقا للضوابط والإنتاجية والكفاءة فتحت عليها نيران من حيث لا تحتسب حتى إننا وصلنا لتناقض بين مبدأ قانوني أرساه القضاء في السماح بتخطي الموظف الأقدم في الترقية بالاختيار لمن هو أكفأ إلا أن الحكومة كما يقال أصدر مجلس الخدمة المدنية لائحة تحصر الترقية باختيار للأقدم.
ولا نستطيع أن نلوم الحكومة لأن الطبيعة المجتمعية لدينا وما جبلنا عليه على ضرورة احترام الأصغر سنا لمن هو أكبر ولا يتجاوز الأحدث الأقدم وهذه أعرافنا التي جبلنا عليها منذ آلاف السنين، والحكومة لن تتمكن من تغيير عقلية المجتمع.
إلا أن الحل هو في توسيع الدائرة أمام الجهات الحكومية بتخصيص درجات اكبر للترقيات بالاختيار تتم على شرائح بحيث تتم المفاضلة بين الموظفين من سنوات الخدمة ذاتها ويتم اختيار الأكفأ وتتم المفاضلة في المقابل بين الموظفين الجدد من نفس سنوات الخدمة ويتم اختيار الأكفأ.
وهنا لن تظهر لنا مثل هذه الحالات في التناقض بين مبدأ قانوني لابد أن تتقيد الحكومة به ولا بين لائحة صحيحة صدرت من مجلس الخدمة المدنية لأنها أخبر بموظفيها، والحل هو تخصيص درجات للترقية بالاختيار أكثر من الدرجات المخصصة حاليا لكل وزارة حتى لا يتم إحراج الحكومة مع كل موعد ترقيات وتخفيفا عن المحاكم الإدارية التي تضخمت بالقضايا الإدارية.