المركزية في الإدارة مالها وما عليها؟ وإلى أي درجة أثبتت التجارب العالمية أن ضم القطاعات المتشابهة في قطاع واحد ضخم سيؤثر إيجابيا على جودة الأداء او حتى إلى تحقيق نتائج افضل في الرقابة؟
اليوم ومع اتجاه الحكومة الجديد في دمج شركات البترول في شركة واحدة ضخمة يعيد بنا التاريخ إلى تجربة الحكومة في ضم وزارة الكهرباء والماء مع وزارة النفط في وزارة واحدة سميت آنذاك بوزارة الطاقة وعلى الرغم من كل ما تم الإشارة إليه من العقبات التي ستعتري هذه الوزارة في أنها تضم أحد أكبر القطاعات حيوية بالدولة مع هذا الكم الهائل من الموظفين، إلا أن الحكومة آنذاك أصرت على موقفها وأطلقت وزارة الطاقة التي لم تستمر وبقيت وزارة باسم حتى دون أن يكون لها وكيل أصيل ثم بعد ذلك عاد الوضع إلى ما كان عليه بعد أن تبين أن الوضع السابق القائم كان افضل من الدمج.
اليوم ومع رغبة الحكومة في التقليل من حجم هيئاتها ووزاراتها تم اقتراح من قبل المجلس الأعلى للبترول على أفضلية دمج شركات البترول جميعها في قطاع واحد ضخم منعا للتشابه في الاختصاصات دون أن يتم الإشارة إلى وجه الأفضلية وسنعيد نفس الملاحظات التي كانت تجاه وزارة الطاقة إلا أنها اليوم موجهة للبترول.
فاليوم الشركات جميعها قائمة على عقود مختلفة عن الأخرى واختصاصات مختلفة عن الأخرى ورؤوس أموال مختلفة عن الأخرى هذا فضلا عن العديد من العقود والالتزامات التي أبرمتها هذه الشركات باسمها والتي منها عقود مستمرة، هذا فضلا عن الاختصاصات المختلفة حتى لو كانت متماثلة إلا أنها موجهة لفئات دون الأخرى.
الأمر الآخر المركزية التي سيخلفها مثل هذا القرار ستفتح الباب أمام تعقيد إجراءات الرقابة على أعمال هذه الشركات فهل سيتم دمج هذه الشركات بمبنى واحد ورئيس واحد ومجلس إدارة واحد وماذا عن بقية الشركات؟ وكيف سيتم التمكن من إدارة هذا الكم الهائل من الشركات ويكون المسؤول عنها رئيس مجلس إدارة واحد، هذا فضلا عن أن ما سينشأ هو زيادة في المركزية والقرار الفردي، وهو بالتالي لن يحسن من أداء الشركات لأن الخطأ حينها سيطول القطاع بأكمله ويشل عصب الاقتصاد الكويتي.
فأحيانا التعدد والاختلاف والتنوع يكون له ميزة أفضل من الكيان الضخم الذي ليس من السهل مراقبته أو حتى التعديل عليه وبالأخص أن القانون الذي يحكم مثل هذه الشركات والعقود التي أبرمتها والتزاماتها ودائنيها ومدينيها مختلفين.
بيد أنه كان من الأجدى لو تم تقليص الشركات الضخمة إلى شركات أصغر لتسهل مراقبتها وإعطاء فرصة للطاقات الشابة لتولي إدارتها والتعرف على فكر الجيل الجديد في إدارة هذه الشركات.
فأحيانا كثيرة ليس التغيير يكون أفضل من الوضع القائم، بل أحيانا المحافظة على الوضع القائم مع تلافي السلبيات القائمة أفضل من خلق كيان جديد سيؤدي إلى الكثير من التعقيدات والمشاكل، فالرقابة على المجموعات الصغيرة بالتأكيد أفضل من الكيانات الضخمة الكبيرة، هذا فضلا عن تنظيم الأعمال في المجموعات الصغيرة أفضل بكثير.
إن عملية دمج شركات النفط بكيان واحد قد يكون القرار الذي سيتم اتخاذه في غاية السهولة، إلا أن تطبيقه وترجمته على أرض الواقع سيحدثان فوضى في القطاع النفطي وربكة في العمل، وقد تعطل بعض الشركات عن تنفيذ التزاماتها.