لم يترك الله عز وجل الحياة تبدأ دون أن تكون لها قواعد إلهية تحكمها، فقد كان أبونا آدم أول الأنبياء، والقيم والأخلاق الفاضلة ابتدأها آدم عليه السلام بداية مع زوجته حواء وأول أبنائه، فهنا كانت البداية الحقيقية للأخلاق والقيم، وبدأ حينها بغرس القيم والأخلاق وأولها هو التوحيد بالله والاعتراف بوجوده، ومن هنا بدأت علاقة البشرية بالله عز وجل على مختلف الأديان التي أتى بها الله برسله فتوارثتها الأجيال منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا.
فنجد أن القيم والأخلاق بين جميع البشر موحدة، فالمبادئ واحدة بين المجتمعات كافة، إلا أن غير الملتزم بالأخلاق في مجتمع تجد له أقرانا في المجتمعات الأخرى، فهناك طائفة تمارس السلوك ذاته فتنحرف عن سير الجماعة، وهذه سنة الله في كونه، فكما خلق الخير خلق الشر ولكليهما أسبابهما في علم الغيب فنحن لا نعرف حكمة وسنة الله في كونه، إلا أن القيم نتوارثها جيلا بعد الآخر فهناك من يلتزم بها وهناك من لا يلتزم.
وقد تكون فلسفة الكون التي نسير عليها كانت بداية من رسم ملامحها النظرية هم علماء اليونان فهم برعوا في تقعيد القواعد الأخلاقية وتنظير الحكم وهذا دلالة واضحة على تقدمهم في ذلك الزمان، وهذه هي حال القارة العجوز دائما متألقة بعلمائها فهم مهد الحضارات، فكافة العلوم التي تنتمي للحقل الاجتماعي والتي تعنى بالأخلاق بدأت لديهم كظاهرة منفصلة عن الأديان، فعلماء اليونان في الحقل الفلسفي على سبيل المثال بدأوا بوضع مبادئ اجتماعية وأخلاقية وتدوينها على شكل نظريات اجتماعية وهنا تكمن النباغة لديهم.
فاليوم وبعد الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون حتى لو ظهر له أقران في عصرنا الحالي إن وجدوا فهو سيكون عرابهم لأنه هو من ابتدع هذا العلم وهنا يكمن الإبداع فيقول افلاطون قبل ما يقارب أربعمائة سنة من الميلاد أي قبل ولادة المسيح عليه السلام مقوله شهيرة حين قال: (الشخص الصالح لا يحتاج إلى القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية، أما الشخص الفاسد فسيجد دائما طريقة ما للاحتيال على القوانين).
هنا أفلاطون يتحدث في عصر ما قبل الميلاد عن مواصفات الشخص الصالح النابغة من المبدأ الأخلاقي والاستقلالية الذاتية، وهنا أولا في تحليل هذه الحكمة سنجد أن هناك إقرارا على أن كلمة قانون عرفها العالم منذ الزمن البعيد، والعمل والمسؤولية كانا موجودين، والصلاح قيمة موجودة ولها مواصفات لم تتغير منذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا، فهناك مبدأ إلهي عام تسير عليه الكرة الأرضية بانتظام واطراد، وكما وصف أفلاطون في عبارته الشهيرة مواصفات الشخص الصالح يذكر لنا النقيض وهو الشر الذي جسده في الشخص الفاسد فقد وضع حقيقة نحن مازلنا نشهدها حتى اليوم وهذا العالم المبدع كان يسبق عصره فكما نحيا في عصرنا الحالي الذي تجاوز الألفي عام عن مقوله أفلاطون نجد أن الإنسان كما جسده أفلاطون وكأنه يعيش في زماننا، فنشهد أن فاسدي هذا الزمان شأنهم شأن من سبقهم ماهرون في التحايل على القانون وبذلك فقد أقر أفلاطون وجودهم ومقدرتهم الإبداعية على التحايل منذ آلاف السنين وليس حصرا في زماننا.
وقد تكون أولى النتائج التي نستخلصها من حكمة أفلاطون هو عدم صحة مقولة أننا في أسوأ الزمان، فالنتيجة المستقاة من مقولة أفلاطون تؤكد ذلك بل الحقيقة هو أن الزمان يسير على حاله ولم يتغير فيه شيء ومازال الطالح طالحا والفاسد فاسدا، إلا أن الاختلاف الذي نشهده اليوم الذي يجعلنا نصف زماننا هذا بأنه أكثر فسادا عما سبق أنه أصبح لدينا تلفاز وإنترنت وصحف ومواقع تواصل اجتماعي تبث لنا الأخبار ولكن العالم على حاله لم يتغير فيه شيء.
فصور الخير وأفعالها موحدة بين كافة الأمم والشعوب فتجد أن أعمال الصالحين هي ذاتها منذ العصر القديم حتى يومنا هذا وهي تتجسد بالأخلاق والأمانة والكرم والتسامح والعمل ونجد أن مظاهر الشر هي ذاتها من قتل وسرقة وجرائم وإن كانت تنوعت أشكالها إلا أن جوهرها واحد.