منذ ما يقارب الستة أشهر والدولة جندت كل مؤسساتها لمواجهة وباء «كورونا» وقد اعتنى الإعلام في هذه المرحلة بقضيتين رئيسيتين: الأولى وباء «كورونا» والثانية الفساد، وأعتقد ان الفترة الماضية لم يتم استثمارها بشكل مجد، حيث لا يجوز ان تعطل الدولة أعمالها ومشاريعها من أجل فيروس كان من الأجدى لو اعتنت به وزارة الصحة وحدها، هذا فضلا عن قضايا الفساد المعنية بها النيابة العامة وحدها، وعليه كان من المجدي لو قامت بقية مؤسسات الدولة بالمضي قدما نحو مشاريع الدولة حتى لا تتعطل عجلة التنمية لدينا.
قد يخالف البعض هذا الرأي لأنهم يعتبرون أن جائحة «كورونا» ظرف صحي طارئ، ولكن إذا كانت مؤسسات الدولة كلها ستعطل أعمالها من أجل الظروف الصحية إذن فما فائدة التخصص في الوزارات وما فائدة وجود وزارة الصحة؟!
فالتخصص المهني أمر في غاية الأهمية، حيث لابد أن تعنى كل مؤسسة باختصاصاتها، لأننا ولله الحمد مستقرون ولا يوجد أمر يستدعي كل القلق الذي تعيشه الحكومة وخصوصا ان الحياة والموت بيد الله، فكم من معاف توفي وكم من مريض شفي وهذه اقدار الحياة والموت بيد الله وحده، وعليه لابد ان نمضي قدما بمشاريعنا ونتكيف مع أي ظرف.
فاليوم وقبل وجود جائحة «كورونا» كان لدينا مشروع مهم تسعى الدولة لتحقيقه ألا وهو تحويل الكويت لمركز مالي، وهذه كانت بادرة جيدة في التفكير في كيفية الرقي بمستوى الدولة دوليا لتتمكن من تبوؤ مركز مالي مهم، إلا أنه لا أخبار جديدة حول ذلك الأمر وخصوصا أن تحويل الكويت لمركز مالي بحاجة إلى تشريعات متعددة وأفكار جديدة تواكب الخطة التي نرجو تحقيقها.
فعلى سبيل المثال، العالم اليوم كله يسير نحو التحكيم لتسوية المنازعات بعيدا عن القضاء، وذلك لعدة تداعيات أولها السرعة للوصول للتسوية بين المتخاصمين، هذا فضلا عن قلة التكاليف وسهولة تطبيق القرارات وغيرها من مميزات التحكيم، وخصوصا ان في التحكيم تكون لدى الخصوم الحرية الكاملة في اختيار البلد والقانون الذي يرتضونه لتسوية نزاعاتهم، وعليه أجد أن التفكير في تحويل الكويت لمركز مالي لابد ان يقابله قانون نموذجي كويتي للتحكيم ومركز دولي للتحكيم منفصل عن غرفة التجارة، لتكون لدينا سمعة دولية تساعد على جذب المتخاصمين من بلدان مختلفة.
فاليوم ومنذ سنوات، فتحت الدولة حدودها لكثير من مواطني الدول للحصول على تأشيرة الفيزا عبر المطار، وهذا أمر جيد حيث يسهل كثيرا على الوفود الزائرة للكويت، وعليه فإن وجود تسهيلات لدخول الكويت مع وجود قانون نموذجي كويتي ومركز للتحكيم سيجذب الكثيرين لدولة الكويت لتسوية نزاعاتهم.
فاليوم، أشهر نماذج القوانين المعتمده للتحكيم MAL وNEWYORK CONVENTION، حيث يعتبران الاشهر في عالم التحكيم، وعليه فإن التفكير في إيجاد نموذج قانون ينافس هذين النموذجين سيسهم كثيرا في دفع عجلة التنمية لدينا بشكل كبير وجذب الخصوم من مختلف الدول متى ما وجدوا في القوانين الكويتية تسهيلات ومميزات اكبر.
أعلم أن البعض قد يسفه من اهمية هذا الأمر، ولكننا حين نقول إننا نرغب في تحويل الكويت لمركز مالي لابد في المقابل أن تكون هناك مؤسسات جديدة في الدولة قائمة لجذب المستثمرين حتى ولو كان من أجل تسوية نزاعاتهم، فهذا بحد ذاته استثمار ودفع لعجلة التنمية.
لا نـــريد أن نقلل من قدراتنا المحلـــية، فـلدينا العديد من الكفاءات واصــــحاب المهارات العالية ولديهم القدرة على تنفيذ مثل هذا الأمر، وخصوصا أن العالم اليوم يسير إما في قضايا المنازعات التجارية بأشكالها المختلفة أوالملكية الفكرية، فلماذا لا تعزف الكويت عن هذا الجانب لنتبوأ مكانة دولية مرموقة.
ففي الخليج أبرز الدول التي اعتنت بالتحكيم ولديها مركز ذو سمعة دولية هي البحرين، وعلى مستوى الوطن العربي هي مصر، ونحن الكويت عروس الخليج أين موقعنا دوليا في هذه المسألة؟ وخصوصا ان قوانيننا الحالية في التحكيم قديمة ولا تواكب تطور الزمن، هذا فضلا عن وجود غرفة صغيرة ليس لها أثر في تسوية المنازعات وبالكاد البعض يعرفها وتتبع غرفة التجارة.
أعتقد أنه آن الأوان لأن نعطي كل ذي اختصاص اختصاصه، فكل وزارة معنية باختصاصاتها، ولنمضِ قدما نحو التنمية بعيدا عن الوساوس.