الرقي الإنساني مصطلح حديث مرادف للتقدم لكنه عند البعض يعني الرقي بالمظهر الخارجي واقتناء أحدث الموديلات وأفخم الماركات وتناسوا ان الرقي كلمة فضفاضة تشمل التقدم وسمو الأخلاق وحسن التعامل مع الآخرين، فالله سبحانه وتعالى ميّز الإنسان عن بقية المخلوقات واختاره لخلافته على الأرض لذلك أصبح الاحترام قيمة إنسانية خاصة به، ولكن المتابع لسلوكيات العامة سيلاحظ للأسف غياب الاحترام في معاملاتنا الإنسانية وعلاقاتنا الاجتماعية وما أكثر ما يمر علينا من حكايات وحوادث تخلو للأسف من وجود ولو ذرة من الاحترام ولنا شواهد عدة في ذلك سأورد بعضها.
طلبت الخالة من كنّتها التي كانت في طريقها لمغادرة غرفة المعيشة أن تناولها مطارة الشاي والمركونة على الطاولة القريبة من الباب، فما كان من الكنّة إلا أن ضربت الصينية بحنق شديد فطارت الصينية في الهواء وانسكب الشاي وتناثرت حبيبات السكر في أرجاء الغرفة، ومما يثير الأسى أن ام الكنّة كانت تروي الحادثة بفخر في الجلسات النسائية وتعلق بأن على أم الزوج أن تفهم جيدا بأن زوجة ابنها ليست خادمة لها.
أما الحادثة الأخرى فترويها صاحبتها بمرارة عندما حضرت حفل زفاف كبيرا في إحدى قاعات الفنادق الكبرى، ولم تجد مقعدا شاغرا لها لا في الصف الأول ولا الثاني اللذين شغلهما شابات بعمر الزهور، حاولت أم العروس مساعدتها والتفاهم مع الجالسات اللاتي رفضن بإصرار، ركبت السيدة سلالم المدرج العالية بضعف ومعاناة وآلام شديدة في رجليها وقلبها يعتصر بسبب تمسك الجميع بأماكنهن وعدم مراعاة ضعف صحتها، جلست في آخر المدرج وعندما حان وقت العشاء اجتهدت للنزول من المدرج وحدها ولكن قدمها لم تعينها فاختل توازنها وسقطت على وجهها وسط ضحكات المعازيم.
الأخلاق الحميدة كانت إطاراً منظِّماً لحياة المجتمعات قديما، وحرص آباؤنا وأجدادنا على التمسك بها، فهي تقدير حقيقي لقيمة الإنسان لنفسه وللآخرين، ولكنه زمان ولّى وأتى زمان جديد انتشرت به قلة الاحترام وأصبح البعض للأسف الشديد يتلذذ بجرح الآخرين، ولا يهتم بما يتسبب لهم من إيذاء، أصبحت قلة الاحترام كالفيروس المعدي الذي ينتقل من شخص لآخر بمجرد مخالطته والتأثر به، وهكذا ركنت على الرف مبادئ الدين الإسلامي التي تدعو للأخلاق وحسن التعامل وركنت معها العادات والتقاليد والقيم.
ما ذكرته سابقا لا يعني أبداً معارضة التغيير أو محاربة التقدم، فنحن نعلم يقيناً بأن التطور سُنَّة من سنن الحياة ولكن الإنسان يولد على الفطرة السليمة والبيئة والمجتمع المحيط به هم من يلونون فكره الناصع البياض بالألوان المختلفة، وهم من يحملونها صفة الإيجابية أو السلبية، ومن المؤسف أن انتشار فكرة حب الذات المُبالغ به تسبب بتداخل المفاهيم بقوة فأصبح الرقي مصاحباً لحب النفس المُبالغ به، فأنا استحق الأفضل ولى الحق بالتمتع بمتع الحياة، ولكن هذه المبالغة في النظرة الضيقة للذات أثرت في تعاملات البشر الموهومين بها وتمادوا في عدم الاحترام حتى فقدوا احترامهم للمواطنة السليمة وتعدوا على النظم والقوانين وحتى الدستور مما تسبب في ارتفاع معدلات الفساد وتخلخل الموازين المنظمة لحياة الشعوب.
أصبحنا بدون وعي أعداء لأنفسنا نطلب الاحترام ونحن لا نعرف كيف نقدمه للآخرين ونسينا ان احترام الإنسان لنفسه هو تقدير حقيقي وديني لذاته المكرمة من الله الخالق، وان احترام الآخرين هو ترجمة لمبادئ ديننا الإسلامي الحقيقية ولتربية الإنسان، فالرقي لا يعني أبداً أن أتمتع وأحرم غيري بل أن أكون أحد هؤلاء الآخرين ونتمتع جميعنا بهذه المتع الحلال وبذلك نسمو بأنفسنا وبمجتمعاتنا.
[email protected]