من الحلويات التي لها تاريخ في مجتمعنا الجميل تشكيلة كاكاو الماكنتوش، فلقد كانت من أشهر حلويات الضيافة في الأعياد والمناسبات قبل اكتساح التشكيلات الجديدة للسوق المحلي، ولعل من أسباب شهره الماكنتوش أن العين والقلب يرقصان فرحا عند فتح العلبة لتهيم حبا مع الأشكال المتنوعة للشوكولاتة فتجد الطويلة والمدورة والبيضاوية والمثلثة وغيرها من الأشكال ذات المكونات التي لا ترتبط ببعضها البعض سوى تغطيتها بالكاكاو، ولا ننسى التغليف الملون الجذاب كالبنفسجي والأخضر والأحمر والذي يؤكد اختلاف الأنواع، ولأن جداتنا وأمهاتنا كن على دراية عالية بحسن التدبير ومعرفة ذاتية بما يطلق عليه الآن بعلم إعادة التدوير فلقد كانت علبة الماكنتوش لا ترمى بل تتم إعادة تدويرها لتصبح علبة لحفظ الأدوية أو الأغراض الشخصية، وفي الأغلب كانت تحول لحفظ أدوات الخياطة.
لا أريد أن أزعج القارئ العزيز بذكريات قد لا يكون من أصحابها ولكن صورة علبة الماكنتوش ومكوناتها قفزت لذهني ولم تبارحه وأنا أقرأ المقترح الذي أقرته لجنة الشؤون التشريعية والبرلمانية لتعديل قانون الجنسية بحيث يجيز منح الجنسية الكويتية لغير المسلمين، وأنظر لابتسامة أعضاء اللجنة السعيدة بانتصارهم التشريعي الفذ والذي أوقعنا في مطب جديد، فلقد كنا نناقش التخبط الحكومي والتجنيس العشوائي والحفاظ على الهوية الكويتية من الاندثار ليسحبنا المقترح قسرا لقضايا خلافية جديدة ومتشعبة.
يعتبر أعضاء لجنة الشؤون التشريعية البرلمانية ومؤيدوهم من النواب أن التعديل هو نصر لسمعة الكويت الدولية وتجاوز لأي اتهام بالعنصرية وتحقيق لمبدأ المساواة، وعلل البعض بأن الجاليات غير المسلمة كانت موجودة قبل نشوء الدولة، وأتساءل هل سمعة الكويت الدولية المشرفة بحاجة لمثل هذا التعديل لتزداد شرفا ورفعة، وهل درس النواب أبعاد هذا القرار داخليا قبل الطيران للسمعة الخارجية، وهل تفكير المؤيدين بالرأي الخارجي عن الكويت أهم من استقصاء آراء المواطنين الذين أوصلوهم للبرلمان؟ يبدو أن نوابنا بحاجة لدروس مستفيضة في تاريخ الكويت لأن الكويت نشأت على يد مجموعة العتوب في القرن السادس عشر وتبعتها الهجرات التي شكلت المجتمع الكويتي، أما المسيحيون واليهود فتاريخهم يعود إلى أكثر من قرن من الزمان وقد وفدوا للكويت من العراق وتركيا وفلسطين ولبنان وسورية، واليهود تركوا الكويت تباعا لأسباب مختلفة وكجميع اليهود ذوي الأصول العربية حملوا الجنسية الإسرائيلية والتي تحقق لهم امتيازات عدة بينما مسيحيو الكويت أصبحوا ضمن النسيج الكويتي وفي تعايش وألفة ولم يصدر ما يؤثر على مكانتهم داخل المجتمع أو ما قد يشكل أي مظهر من مظاهر الكراهية العرقية أو الطائفية لهم أو لغيرهم مما قد يتسبب في أي ضرر لسمعة الكويت الدولية.
أما الذين يعللون موقفهم بضرورة الفصل بين المواطنة والجنسية فهل برأيهم أن الجنسية هي تذكرة مرور مثلا، وتناسوا أنها وثيقة انتماء وهوية فعندما ينتمي الفرد إلى هذا الوطن سيتطابق انتماؤه الوطني مع الجنسية وسيكون فردا في المجتمع يتمتع بالحقوق وعليه واجبات تجاه وطنه.
عدم تحديد المقترح لنوعية غير المسلم سيفتح المجال لتجنيس أشخاص من ديانات وضعية أو حتى ملحدين ومعهم ستنشأ معابد لدياناتهم وسيتم الاعتراف بأعيادهم ومناسباتهم، وستصبح الكويت مستقبلا كعلبة الماكنتوش متعددة الألوان والأشكال ومختلفة الطعم وستضيع معها هويتنا وتراثنا، وإن كانت سنة الحياة التغيير فإن التغيير سيكون ناسفا لموروثاتنا ولطبيعة مجتمعنا.
أستبعد تماما إقرار هذا التعديل حاليا، وأجزم بمواجهة النواب أصحاب المرجعيات الدينية، ولكن طرح هذا التعديل في هذا الوقت سبب شرخا سياسيا سواء داخل البرلمان أو في المجتمع، كما سبب جدلا واسعا في الشارع المحلي، وسيظل كمسمار جحا ينكأ بمجتمعنا كلما تأزمت الأوضاع السياسية.
..وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
[email protected]