في البداية دعونا نتفق.. ماذا يعني الاستقلال؟ الاستقلال هو بكل بساطة كفاح أصحاب الأرض الحقيقيين والسكان الأصليين ضد مستعمر أجنبي قادم إليهم من دول أخرى بقوة السلاح لاحتلال الأوطان واستعمار البلاد ونهب ثروات العباد، يقوم عندها أصحاب الأرض الحقيقيون بكل ما يلزم لدفع هذا الاستعمار الأجنبي الغازي بقوة السلاح أو بطرق سلمية أخرى وطرده خارج الوطن حتى يرجع الحق إلى أصحابه ويعود الميزان إلى نصابه، مضبوط، وأمثلة التحرر والاستقلال كثيرة على مستوى العالم كافة، وفي وطننا العربي بشكل خاص، استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي وجلاء المحتل البريطاني عن مصر الحبيبة، ودفع قوى البرتغال الغازية بعيدا عن ساحل الخليج العربي ومدنه وغيرها.
هذا منطقي ومقبول عقليا، لكن ما لا يمكن قبوله هو حكاية «عيد الاستقلال الإسرائيلي» لأن المنطق معكوس تماما، استقلال من ماذا بالضبط؟ مجموعة من عصابات الشتيرن والهاجانا اليهودية التي تكونت من وافدين يهود من دول أوروبية عديدة، بريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا، ولاحقا كندا وأميركا، بل وحتى من اثيوبيا في قارة أفريقيا، مجموعة من اليهود تحملهم السفن الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية تنزلهم على سواحل فلسطين الحبيبة بعد أن قامت السلطات البريطانية برشهم بالمطهرات للقضاء على ما بهم من قمل وحشرات وجرب، وسلموهم بعد ذلك سلاحا ليهاجموا السكان الفلسطينيين العزل تقريبا ويصنعوا فيهم المذابح ويشردوهم من الأرض ويستولوا على ممتلكاتهم وبيوتهم، ثم تسمون ذلك (استقلالا)؟!
أيها السادة ما حصل ليس باستقلال أبدا، بل هو إجرام احتلال إرهاب استعمار وهذا أقل ما يقال عنه، وللأسف بعض الدول العربية صارت توجه رسائل تهنئة رسمية بهذا (الاستقلال المقلوب) الذي يحل موعده هذا الأسبوع على الرغم من القنابل التي تتساقط على إخواننا وأهلينا في غزة في أول أيام رمضان، وقد تعودنا من نتنياهو انه يرسل في كل رمضان وفي أول ساعات الصيام مجموعة من الغارات إمعانا في الأذى والتشفي، وربي المستعان، راجع أحداث رمضان الفائت والذي قبله والذي قبله لتعرف ما أقصد.
لكن، وإن كان البعض أراد طواعية ألا ينظر إلى الحقيقة لا يهم، كل حجر في القدس يشهد من أهلها الحقيقيين، كل نقش على حائط، كل زخرفة على قبة الأقصى، كل طوبة في زقاق، وكل عمود من حجر، يشهد على اليد التي بنته وأبدعته، أبدا لم يكونوا يهودا من اثيوبيا أو أوكرانيا أو بريطانيا! تلك النقوش عربية، كانت عربية، وستبقى بإذن الله عربية، ومن يدري لعلنا نرى «عيد استقلال حقيقيا» لفلسطين العربية الحبيبة، يطرد المحتل الغازي القادم من أعلي البحار والقادم خلسة عبر التاريخ، آسف على الإطالة، ربي من وراء القصد، وفي الختام سلام.