أعطوني ثورة سلمية كانت بالحقيقة سلمية، سواء في ثوراتنا نحن العرب أو في الأمم الأخرى من أوروبا وآسيا أو غيرها من البلدان، أعطوني ثورة تدعي السلمية كانت سلمية بالحقيقة، ما يقوله ويتبناه بعض الثورجية العرب من أن ثورات اللاعنف تصنع الأعاجيب في المجتمعات اثبت فشله، وكل بلد عربي أو غيره ابتلي بشيء من هذه الثورات أو هؤلاء الثوريين، انساق بقصد أو بدون قصد إلى الفوضى والإفلاس، والأمثلة من حولكم كثيرة، حتى في بعض البلدان الأوروبية التي تتشدق بالحرية والديموقراطية، فهل من متعظ؟!
دائما ما يذكرون ثورة تونس، ثورة الياسمين، البوعزيزي، على أنها مثال حي لثورات شعبية ناجحة، وأقول لهم والآن بعد مرور عشر سنوات وأكثر ما الذي حصل في اقتصاد تونس؟ في الأمن؟ في مدخرات الناس؟ في أعمالهم؟ ثم من قال لك إن ثورة تونس كانت سلمية خالصة، عانت تونس لمرحلة طويلة من انعدام الأمن في الشوارع وحالة انفلات كعادة كل دولة ابتليت بهذه الثورات، الأمر الذي جعل الجيش التونسي نفسه يشتبك أحيانا مع الجماعات الإرهابية القادمة من الحدود، بل تجرأ هؤلاء القتلة بعملية إرهابية دموية فجّة داخل أحد المتاحف في العاصمة التونسية، مجرمون قتلوا سياحا أبرياء بالمدافع الرشاشة في وضح النهار، قبل ان يشتبك الأمن معهم ويقتلهم، هذه توابع (سلميتكم).
من قال لك أخي العربي إنه بمجرد تحرك الناس في الشوارع ضد الحاكم سيصطلح الأمر؟ كيف سيكون ذلك؟ من قال لك ان كل الحلول الإعجازية للمشاكل التنموية والاقتصادية للدولة تنحل بطرفة عين مع إزاحة الحاكم بالقوة بهكذا ثورات؟ والأمثلة من حولكم كثيرة، انعدام الأمن هروب رأس المال توقف عجلة الإنتاج، تضخم بالعملة، موجة غلاء، ازدياد البطالة وهكذا هي نتيجة أي ثورة، يأتي الحاكم الذي يليه ليصلح ما أفسده الآخرون لكن البعض (مؤمن) إيمانا كبيرا أنه في خلال سنة أو سنتين إذا لم يتغير شيء على يد الحاكم (نثور) مرة أخرى، شلل اقتصادي انهيار عملة تضخم بالأسعار ازدياد البطالة لأرقام فلكية وهكذا، نكون كمن يدور في دائرة لا يعرف الخروج منها، والكل يعتقد أن الحل بالثورات، بعض الثورجية وصلوا لمرحلة (فليرحل الرئيس القادم)، يا جماعة اهو بعد حكم عشان يرحل!
أنا ضد الثورات نعم، ولكن هذا لا يعني أني أبرئ الحاكم أو الحكومة أو أي مسؤول في أي إدارة من إدارات الدولة إذا قصر أو بدا منه ما يسوء.
خافوا الله واعدلوا في أعمالكم يا قوم، ولكن نحن من جانب آخر، كشعوب ومواطنين، علينا مسؤولية كذلك، علينا ألا ننساق وراء شعارات وأعمال يطلقها ويسوقها البعض علينا من الخارج، ونار بعض الثورات من حولنا لاتزال مشتعلة، المؤمن كيّس فطن، ونعمة الأمن والاستقرار ليس بعدها نعمة، وكل شيء ممكن إدراكه بالمستقبل، بالركادة وحسن التدبر، والله من وراء القصد، والسلام.