هل تعلم عزيزي القارئ أن هناك بحرا في السعودية؟ تحديدا جنوب السعودية، ولكي نكون أكثر دقة في صحراء الربع الخالي جنوبا على امتداد الحدود المشتركة مع عمان، الكثير منا يجهل أن هناك مثل هذا المسطح المائي في هذه المنطقة الصحراوية التي اشتهرت بذلك الخواء المرعب، والحقيقة أنني من عشاق الجغرافيا السياسية التي تفتح الأعين على الكثير من الفوائد، ولعل هذه إحداها نتذكرها من باب العلم بالشيء والمزيد من التفاصيل المفيدة فهيا بنا.
يتكون هذا المسطح المائي العملاق في صحراء الربع الخالي ويمتد حتى داخل العمق العماني بأكثر من 20 كيلومترا تقريبا، تتكون هذه المسطحات المائية بسبب الأمطار شتاء التي تستمر لقرابة 4 شهور، في البداية تتكون الخباري هنا وهناك التي تفرقها الكثبان الرملية الناعمة، وسرعان ما يرتفع منسوب المياه مع ازدياد هطول الأمطار لتتحد تلك الخباري لتشكل بحيرات صغيرة ومن ثم ما يشبه (البحر) الذي يغطي تلك الكثبان بشكل كامل، وقد يصل غاطس هذا البحر لما يقرب من المتر ونصف المتر، يعني بالإمكان الإبحار (بمركب) شراعي صغير على سطح هذا البحر الذي تشكل مساحته اكبر من مساحة الكويت، من (السحمة) الى (ذعبلوتن) مرورا بـ (عردة) حتى أطراف مدينة (زاخر) في الإمارات، تخيلوا حجم هذا البحر في وسط الصحراء، بعض الإخوة السعوديين له فيديوهات عن إبحار بعض الهواة في القوارب فعليا في هذا البحر ذي الماء الزلال لأنه تشكل من الأمطار، هذه الكميات الهائلة من المياه التي تختفي في أشهر الصيف بالبخر أو في باطن الأرض وتظهر شتاء شكلت ثروة قومية حقيقة لم يتم استغلالها كما يجب ولكن إلى حين.
بدأت السعودية مشروعا طموحا لاستخراج المياه العذبة من باطن صحراء الربع الخالي وذلك بعد أن توقف استخراج المياه من الآبار المحفورة في الشمال حول منطقة تبوك ومنطقة ابن هرماس، استخراج المياه جنوبا وضخها في أنابيب للعاصمة شمالا، حيث تذكر التقارير أن المملكة أوقفت الاستخدام التجاري للمياه الجوفية خشية النضوب والجفاف، لكن مياه الربع الخالي تشكل أضعاف أضعاف كميات المياه المستخرجة من آبار الشمال، أدعوكم بشدة لإلقاء نظرة سريعة وعابرة على صور الأقمار الصناعية لتلك البحيرات المتكونة في عرض الصحراء، من المؤسف أن تذهب تلك الثروات في باطن الأرض بلا أي استخدام، خصوصا أننا نتكلم عن مياه عذبة ونقية.
مشروع المملكة لاستغلال صحراء الربع الخالي طموح جدا، وان جاء متأخرا، أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي على الإطلاق، ولم يقتصر الموضوع على المياه ولكن أيضا هناك مشاريع لاستغلال تلك المساحات الهائلة لإنتاج الطاقة الشمسية، وحسب علمي المتواضع قطعت حكومة المملكة شوطا كبيرا في هذا المجال، استخراج المياه والطاقة الشمسية على السواء، ننتظر أن تحذو الإمارات وعمان حذو السعودية في استغلال هذه الصحراء، أرض المملكة بإذن الله أرض مباركة أينما تحفر يأتك الخير.
أرفع القبعة احتراما لمن فكر ولمن عمل، وفي الختام سلام.