لمن لا يعرف ألبرت سبير هو أكبر المهندسين في الراسخ الثالث الألماني في العهد النازي ومن المقربين لدى الفوهرر هتلر، وهو صاحب فكرة عاصمة الرايخ (جرمانيا) التي ستدوم ألف عام حسب تصوره وتقود أوروبا لمئات السنين.
في الأربعينيات كان هذا المهندس الألماني، وبغض النظر عن معتقده، شعلة نشاط في ألمانيا كلها، ومن اجل ان يرضي الفوهرر ويخط اسمه بغلاظة على صفحات التاريخ أراد بشغف ان يبني اكبر عاصمة بالأرض، اكبر قصر للمستشارية (الرايخستاج) وان يقيم أكبر ستاد رياضي بالعالم وأفضل المصانع واكبر القلاع الحربية في أوروبا (قلعة برلين) وان يبني أفضل الطرق التي تليق بعاصمة أوروبا الموحدة، ونجح ألبرت سبير فعلا في الكثير من هذه الأمور وهناك الكثير من الإنجازات الهندسية التي قام بها هذا الألماني لاتزال قائمة حتى وقتنا الحالي.
تصور يا أخي القارئ ان ألمانيا لم تعرف الطرق السريعة (اتوتستراد) الا على يد سبير، ربط الحواضن الألمانية المترامية بشبكة طرق سريعة متداخلة بين الغابات لاتزال الكثير منها قائمة حتى وقتنا الحالي، وهنا بيت القصيد، ومستخدمة بكفاءة عالية، لا حصى متطاير ولا غش في خلطة أسفلت ولا اي شيء من هذا كله، مع العلم ان هذه الشوارع شهدت حربا عالمية ضروسا، ومشت على أجزاء منها دبابات الفيرماخت الألمانية وجيوش الجيش الأحمر وقوات الحلفاء القادمة من النورماندي، طبعا توجد أعمال صيانة من حين الى آخر ولا ننكر ذلك، ومع ذلك وبعد كل هذه السنين مشروع الطرق القومي الرابط بين المدن الألمانية يعمل بكفاءة منذ ذلك الوقت بدون اي انهيارات او حفر او أسفلت يتفتت ويصبح هباء منثورا تحت عجلات السيارات او رشة مطر.
خذ في بالك ان ألمانيا دولة غير منتجة للنفط، ركز هنا، غير منتجة للنفط، لكن تجد تلك الطرق، التي أقيم بعضها على يد سبير وربعه، تعمل بكفاءة وتحافظ على (فكرة المدن المستدامة) بنجاح بدون اي تداخل بين عوامل التنقل والسكن وأماكن العمل، ما السر إذن؟ كيف تحافظ هذه الدول التي لا تملك ولا ربع ثروتنا النفطية على كفاءة بنيتها الأساسية والتحتية؟ أعتقد من وجهة نظري هو الإخلاص والتفاني بالعمل، ولولا تخطيط وتنفيذ ألبرت سبير وفريقه لما شاهد احد تلك الإنجازات، وأعيد وأوضح: نحن لا نهتم بمعتقده هنا وليس هو موضوع البحث، ولكن الإخلاص والهمة في الإنجاز، وكذلك الاستعانة بأصحاب الاختصاص من (الشباب) والمخلصين في أعمالهم ضمن فريق متجانس متفاهم، برأيي هذا هو النجاح، وان عجزنا عن هندسة شوارعنا بأنفسنا أعتقد اننا بحاجة الى (ألبرت سبير) كويتي، (بس ما يكون نازي). وفي الختام سلام.