عن نفسي كنت ومازلت من المعجبين بسياسة أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا السابق، الرجل سياسي محنك من طراز رفيع، مع إقراري بأنني أختلف معه في بعض الرؤى وتبرير بعض المواقف، لكن ومع هذا يبقى قامة سياسية رفيعة، دافع عن مصالح بلاده برباطة جاش وثبات انفعالي عرف به.
وللعلم، أوغلو هو صاحب نظرية (العالم التركي الجديد)، الذي تكلم عنها في كتابه، الذي أخرجته للعامة «مكتب الجزيرة للدراسات الاستراتيجية»، وفي هذه النظرية شرح أوغلو المحيط الاستراتيجي الخاص بتركيا التي تكون معنية فيه بشكل مباشر بكل تفاصيله الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، من بحر ايجه غربا على تخوم اليونان حتى سور الصين العظيم شرقا، هو أيضا صاحب نظرية (صفر مشاكل) مع الدول المجاورة لتركيا، وأمعن أوغلو بتطبيق نظريته تلك حتى وقعت أحداث (الربيع العربي) المزعوم الذي تحول خرابا مع مرور السنين.
قبل العام 2020 بدا أن تركيا تعيش عصرها الذهبي، إذ أقدمت على حل جميع الخلافات الحدودية مع دول الجوار، وما لم يحل بالسياسة جرى تجميده حتى يكون نسيا منسيا وتذهب تفاصيله مع مرور الأيام والسنين، وحصدت تركيا ثمار سياسة (صفر مشاكل) تلك على شكل نمو اقتصادي كبير واكتفاء صناعي بزخم سريع حتى العام 2010 الذي وجدت تركيا نفسها بقصد أو دون قصد، داخل معمعة الأحداث التي انقلبت سلبا في جوانب كثيرة على السياسة والاقتصاد.
انزوى على اثرها داوود أوغلو بعيدا عن الحكم، وبعيدا عن السياسة المتحفظة والحريصة التي ابتدعها أوغلو، وجدت تركيا نفسها مندفعة في تلك الصراعات التي جلبت لها القلائل السياسة مع القريب والبعيد، من بعد صفر مشاكل أصبح الآن هناك مشاكل مع السعودية، مصر، ليبيا، سورية، العراق، ألمانيا، فرنسا والاتحاد الأوروبي بالمجمل، الإمارات، روسيا، أرمينيا، قبرص، أميركا، واليونان طبعا، والحبل على الجرار.
هذه السياسة انعكست سلبا على صورة تركيا في نظر الكثير من الجماهير العربية، وطبعا هناك انعكاسات اقتصادية على النمو التركي المثقل بالديون، يا ترى كيف قامت الخارجية التركية الجديدة بحسبة هذه المعادلات؟ أمام هذه الخسائر مع دول المحيط التركي.. ما هي المكاسب؟ أما آن الأوان لتركيا أن تعيد النظر في تصفير المشاكل تلك؟ هذا على الأقل من وجهة نظري المتواضعة، وفي الختام سلام.