إن للنداء الإنساني شفافيته الخاصة التي تخترق الوجدان والعقول بنبضاته وأحاسيسه، ومما لا شك فيه أن هذا العصر الذي نعيش فيه غبار الكآبة الذي يحمل بين طياته حزنا عميقا وألما فظيعا وأهوالا عميقة لزمن تلون بوشاح السواد لأبناء جاحدين «عاقين»، قلوبهم متحجرة وضمائرهم مبعثرة وأفكارهم ممزقة ونواياهم مقززة تجمدت القيم في نفوسهم وسحقت الأخلاق من قواميسهم فأصبحوا حوائط صماء متجردين من كل ذرات الإنسانية بكل ما تعنيه، فقد تخلى هؤلاء بجحودهم عن أحبائهم الآباء والأمهات والأقرباء، تخلوا عنهم في ضعفهم وهجروهم في كبرهم يذرفون دموع الزمن القاسي على صفيح ساخن الذي شرخ الوجدان ونثر الأحزان بين حنايا ضلوعهم التي لم يرحم هؤلاء الأبناء عجزهم وهموم سنيهم المثقلة بأطنان الألم والوحدة، بل تركوهم يهيمون بصحارٍ مقفرة ليس بها رحمة ولا شفقة حتى يتسرب اليأس ويعشعش في خلاياهم التي لا ترحم عافيتهم، فالحزن مزقهم والزمن بسكاكينه قطّعهم إلى أوصال صغيرة.
أكوام من القهر والذل والهوان عاشها هؤلاء الأحبة بين جدران رطبة وباردة وخالية من كل العواطف والحنان والحب العائلي الدافئ داخل أسوار الكآبة التي عبارة عن زنزانات سجن داخل أسوار الزمن الرديء الذي حطم كبرياءهم وجرح سني كفاحهم فالوحدة القاسية شكلت لهم نوعا من المرارة والقلق والاكتئاب النفسي الذي يعصر نياط القلب حتى اختناقه ويضرب بسياطه التي لا ترحم أنفاسهم حتى يظن أنها أزهقت أرواحهم.
إن كبار السن بحاجة منا إلى لمسة حنان دافئة وقلوب رقيقة عامرة بالمحبة تحتضن ما تبقى من عمرهم الذي يكاد أن يرحل.
وأخيرا، ونحن نختتم هذا الموضوع شديد الأهمية علينا أن نوصي الشباب والأبناء من هذا الجيل خيرا بوالديهم وأن يفتحوا قلوبهم لتكون عامرة بحب الوالدين والأرحام، وأن يحملوا جميل ما عمل هؤلاء الآباء على قمم رؤوسهم ليكون ذلك العمل ثمرة حلوة يأكلونها من أبنائهم قبل أن يهد الحيل أجسامهم ويحني الزمن ظهورهم وتتوقف قطرات أنفاسهم، والله أسأل أن يغرس الحب في قلوب أبنائنا ليكونوا رحماء على أهلهم ونبراسا يهتدي به الآخرون.