كم أنا أذوب حسرة على جليد الألم.. كم تعتصر قلبي هزات عنيفة تزلزل كل كياني.. وتكوي حنايا ضلوعي.. تدمر خلجات كل ما في أعماقي فأنصهر في بحر من العذاب الذي يفتت كل وجداني ويصرخ في كل أحاسيسي فأجد نفسي في أمواج متلاطمة فأتوه في غياهب الصحاري والبراري والوديان.. حقيقة موجعة ومرة أمرّ من العلقم أجدها كلما تصفحت جرائدنا اليومية، أو كلما أدرت التلفاز، حيث أتقلب على جمر يغلي منه دماغي فأصاب بغثيان وبصدمة عنيفة من هول كارثة حرب الشوارع اليومية التي تجرف مئات من شباب وطني الذين هم في عمر الورود، الذين سقطت أوراقهم من شجرة الحياة ولكن قبل أن يخضر عودهم وتنضج سواعدهم وتغيب شمس حياتهم للأبد.
إنها حقيقة مأساوية يملؤها الحزن العميق وتلبد بوشاح الحزن والسواد.. العصافير تعزف لها ألحانا حزينة والشمس تبكي بحرارة حزنا عليهم والبحر ينزف أمواجه بدلا من الماء دما وذلك حزنا على فراقهم الأبدي.. الكل يموت حسرة على هؤلاء الزهور التي تتقطع أوصالها وتسفك دماؤها على الأسفلت وبين الأرصفة وفوق وتحت حوائط الجسور الصلبة التي لا ترحم.. وكل هذه الكوارث بسبب السرعة القاتلة والسرعة الجنونية.. وبعد كل هذه المآسي.. دعونا نتناقش ونتحاور بهدوء لنوقف نزيف الدم وحصاد هذه الأرواح البريئة التي تموت في ميادين ليست ميادين حرب.
ونطرح سؤالا مهما: مسؤولية من فينا كل هذه المجازر الإنسانية التي لا يتوقف نزيفها؟! حقيقة وواقعا لابد للكل أن يتحمل مسؤولية هذه المأساة، كما تتحمل وزرها أيضا عدة جهات معنية في ذلك كـ«الإعلام» و«الداخلية» و«التربية» والأسرة.. فنحن نريد إعلاما واضحا مسموعا يبصر الشباب بهول الكارثة ويعرض نماذج حية من هذه المآسي، كما نريد من «الداخلية» قوانين مشرعة مشددة تحارب الواسطة بشتى صورها لا فرق بين ابن صغير القوم أو كبيرهم فالكل سواسية أمام القانون.
كذلك وبلاشك أن لوزارة التربية دورا مهما، حيث يجب أن تصدر قانونا بإضافة مادة جديدة اسمها «المرور» تدرس في المرحلتين المتوسطة والثانوية وتكون هذه المادة مادة «رسوب ونجاح» حتى ترسخ هذه العلوم المرورية في أذهان الناشئة من أبنائنا الطلبة من جهة وتؤخذ مأخذ الجد من جهة أخرى.
أما الدور الأكبر والأساسي فهو يقع على الأسرة متمثلة بالوالدين فيجب عدم التراخي والتدليل الزائد والدلع الماسخ للأبناء وعدم السماح لهم بقيادة السيارة إلا بعد أن يجتازوا كل الاختبارات، كذلك يجب تبصرهم باستمرار بأهوال ومخاطر القيادة باستهتار وأن الرعونة الزائدة مصيرها يؤدي إلى الهلاك القاتل. وأخيرا، أسأل الله أن يحفظ شباب وطننا الغالي الكويت من كل مكروه وأن يهديهم إلى سبيل الصواب.