عبدالعزيز الأحمد
من منا لا يتوق قلبه لأن يطوف بالبيت الحرام؟ ومن منا لا يتمنى أن يسلم على النبي الحبيب ( صلى الله عليه وسلم )، إننا جميعا نتمنى الفوز بأداء فريضة الحج، فهي فريضة يتوق إليها كل المسلمين في بقاع العالم رغم ما بها من مشقة، كما انها تحتاج إلى التجرد من زينة الحياة الدنيا، والتخلي عن مباهجها فلا تعلم هوية من بجانبك، فقد يكون وزيرا أو جاهلا، أو رجلا بلغ أعلى مستويات العلم، لكنهم جميعا يرتدون الإحرام نفسه ويطبقون الشروط نفسها، ويؤدون المناسك نفسها، لأنها فريضة ربانية، لا ابتكار فيها ولا إبداع، بل تؤدى كما هي، وكما اخبرنا بها نبينا الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ).
لا شك في اننا نذهب الى الأراضي المقدسة بمكة أملا في ان تلامس أقدامنا الأرض التي مشى عليها رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابته الكرام رضي الله عنهم جميعا، فنحن نؤدي المناسك التي عاشها الأنبياء والسلف الصالح، اختبار الإيمان واليقين بالله، هو الامتحان الحقيقي الذي يدفع المرء الى ان ينفذ أوامر الله سبحانه وتعالى مهما كان الثمن، انها تجربة عظيمة نجح فيها الأنبياء والرسل، وها نحن نقتدي برسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونحيي اليقين، ونخوض هذه التجربة، ومن هنا تأتي المشقة، من اجل الفوز برضوان الله تعالى، بعد الرجاء بغفران الذنوب التي نزرعها بأعمالنا الدنيوية، ونأمل إبدالها بالحسنات النظيفة النقية.
لكن الشيء الذي لا يتناسب مع مناسك الحج من مشقة ونفحة روحانية وبهجة للنفس، هو ما يظهر عليه بعض الحجيج، من إسراف وتبذير، يذهبان روحانية الحج ويبددان نفحاته، وهو ما لا يليق أبدا بحجاج بيت الله الحرام، وقد يكون الدافع مثلا بعض التميز عن الآخرين، او التعالي عليهم، او غير ذلك، وهي امور لا تناسب الأراضي المقدسة أبدا، لأن الإسراف والتبذير يقرب المرء من الشيطان، ويبعد العبد عن ربه، لقوله تعالى (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ـ الإسراء: 26 ـ 27) لكن الحجيج ضيوف الرحمن، فكيف بالتالي يخطئ المرء في حق نفسه ويحول الرسالة العظمى الى رسالة دنيوية، اننا نذهب لمكة المكرمة لنرتقي بأنفسنا عن حدود الدنيا ومباهجها وإغراءاتها المادية والدنيوية، لنتجرد ونتزود بخير زاد، وهو التقوى وبالتالي فلا يحق ان نتنافس أو نهرول إلى الموائد والبوفيهات المليئة بشتى أصناف الطعام والحرص على السكن في أفخم الفنادق، بل علينا ان نقوم الآن بدورنا لنكون خير ضيوف على موائد الرحمن للتقوى والورع والخوف من الله تعالى، املا وطلبا ورجاء للمغفرة والقبول في رضوانه تعالى فمن يرضى عليه الله تعالى فقد ضمن الجنة، فهل نتزود بالتقوى وننهل من نعيم الجنة ام نتهافت الى موائد الدنيا فنخسر الدنيا والآخرة؟
عافانا الله تعالى وإياكم من أطماع الدنيا الزائلة، ووقانا الله مفاتنها لننهل من نعيم رضوان الله تعالى وتزودوا فخير الزاد التقوى.
وفق الله الجميع لما فيه خير وفلاح الإسلام وتقبل الله طاعتكم مقدما.