عبدالعزيز المطيري
من منا لا يتذكر تلك الأحداث والمجازر التي حدثت في كوسوڤو في الفترة بين 1996 و1999، وما تلاها من تطهير عرقي وتشريد عشرات الآلاف من الألبان عن ديارهم، وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان واتفاقيات جنيڤ لحالات الحرب، هذه الأحداث والذكريات المؤلمة بدأت تلوح في الأفق، بعدما فشل زعماء الاقليم من صرب وألبان، في التوصل الى حل لآلية تحكم هذا الاقليم المضطرب دون تهميش للأقليات الأخرى، خاصة ان روسيا ثالث أقوى دولة في العالم تدعم الطرف الذي ساهم في احداث عدد كبير من المجازر بالصرب.
ومع هذه الاضطرابات، اتسعت رقعة الخلاف والأضداد، فبدل ان يكون ضمن نطاق «أوروبي» ضيق، بحكم ان الاتحاد الأوروبي هو «شرطي» الأمن في قارته، وتحديدا في باحته الخلفية «دول البلقان»، تطور الخلاف الى ان يكون أورو - أميركي/روسي: أورو - أميركي الى جانب الألبان، وروسي الى جانب الصرب حليف روسيا القديم الجديد، وأصبح مصير كوسوڤو ورقة ضغط، ولعبة سياسية غير عادلة تداخلت فيها عوامل اقليمية ودولية عديدة، تهدد مستقبل قاطني الاقليم.
قد يتسـاءل المرء: ما الذي أدى الى اتساع رقعة الخـــلاف، وتهــديد مصـــير الاقلـــيم بشكل أكبر؟ حسنا، فكما هو معروف ان الولايات المتحدة ترغــب في وضــع درع صــاروخية في بعــض دول أوروبا الــشرقية الموالية للغرب، بحجة لا أرغب أن أقول عنها سخيفة: هي ردع أي تهديد صاروخي من ايران، بينما كما هو واضح للعيان، هذه الدرع صممت لردع أي تهديد صاروخي من روسيا، وهنالك احتمال ان هذه الدرع الصاروخية لا تقتصر مهمته على الدفاع فقط، وإنما على الهجوم ايضا، خاصة ان روسيا طورت في العام 2005 صواريخ عابرة للقارات بامكانها اختراق الأنظمة الدفاعية الأميركية، مما يهدد الأمن والأرض الأميركية، وهو الأمر الذي يحفز المسؤولين الأميركيين على مواصلة الضغط بخصوص الدرع الصاروخية.
وبعدما فشلت تلك الضغوطات بخصوص الدرع الصاروخية بدأت الولايات المتحدة بفتح جبهة جديدة من الضغوطات، كوسوڤو، وادراجها ضمن قائمة الضغوطات التي غالبا ما تكون قابلة للتفاوض، الأمر الذي يهدد مصير الاقليم وقاطنيه، بتسليمهم الى الجلاد الذي قام بأفظع الجرائم وأبشعها في حقهم، ليس لسبب الا في اختلافهم معه في الهوية، وتاريخ قديم لم تسوه السنون والعقود على طولها وبعدها.
نأمل بصدق، ان تنتهي هذه الأزمة الى حل يرضي جميع الأطراف، دون ان تساهم في خلق مشاكل نحن في غنى عنها، وان يستمع الأضداد الى العقل والمنطق، وذلك من أجل سلامة شعوب البلقان. ولكن، نحن نأمل، وغيرنا يأمل، ولم يكن الأمل أبدا حلا للمشاكل.