مع إعلان النتائج النهائية لانتخابات الرئاسية في مصر للعام 2012 وفوز مرشح حزب الحرية والعدالة د.محمد مرسي، وحل مجلسي الشورى قبل أيام بقرار من المحكمة الدستورية، وتنصيب المجلس العسكري نفسه حاكما للبلاد، فإنه يبدو أن مستقبل الثورة في مصر يعود للوراء، الى عهد النظام الديكتاتوري السابق، وإن تغير اللاعبون في النظام.
وللمؤسسة العسكرية نفوذ هائل داخل مصر؛ ليس لأن جميع الرؤساء السابقين منذ قيام النظام قد أتوا من كنفها، ولا لأن أغلب السياسيين والإداريين قد كانوا أفرادا فيها، ولكن لأنها ايضا لاعب فعال في الاقتصاد المصري الهش، إذ إن لها مؤسسات اقتصادية تساهم في عوائد ميزانيتها (يقول د.نيكوس ريتسوس ان الجيش يملك 20% من الاقتصاد المصري). فهذه المؤسسة امتداد للنظام السابق، بصورة أو أخرى.
وعلى ضوء الاعلان الدستوري الجديد الذي أصدره المجلس العسكري، تزامنا مع حل مجلس الشورى، فإنه في الانتخابات البرلمانية القادمة سيكون من المرجح أن المجلس العسكري سيسهم في تشكيل غالبية برلمانية متجانسة مع طموحاته، من خلال إشرافه على العملية الانتخابية، واعتقال بعض المرشحين أو على الأقل استبعادهم، وذلك من خلال تلك الصلاحيات الجديدة.
لكن ما علاقة كل هذا بالنتائج النهائية للانتخابات الرئاسية؟ الإجابة تكمن في أن الإعلان الدستوري الجديد قد قلص من بعض صلاحيات رئيس الجمهورية وأضاف صلاحيات أوسع للمجلس العسكري كما ذُكر سابقا، وبالتالي فإنه في ظل اليد المتنفذة للمجلس العسكري على مؤسسات الدولة في مجال السلطتين التنفيذية والقضائية، وكذلك تأثيره على الاقتصاد المصري وعلاقاته مع المؤسسات الاقتصادية الأخرى في البلاد، سيكون الرئيس الجديد مقيدا، خاصة إذا كان البرلمان غير متوافق معه، وبذلك فإن الرئيس سيكون محصورا بين صخرتي رحى، وسيلام على مشاكل الدولة، والتذرع بطبيعة إدارته، والتي هي اصلا مقيدة.
وقد يتتشابه ذلك مع ما كان يحدث في إيران في فترة رئاسة محمد خاتمي الممتدة ما بين العامين 1998 ـ 2005، إذ إنه على الرغم من وصول الاصلاحيين بقيادة خاتمي وسيطرتهم على الرئاسة وفيما بعد على البرلمان، إلا أن سيطرة المحافظين المتشددين على القضاء والمؤسسة العسكرية والاجهزة الأمنية قد ساهمت في تقييد الاصلاحيين وطموحاتهم، وتعرضوا لحملات اعتقال وتشويه، وفي النهاية، بسبب الغضب الشعبي من عدم تحقيق طموحاتهم التي وعدوا بها، خرج الاصلاحيون من السلطة الإيرانية من البرلمان في انتخابات 2004 والرئاسة في انتخابات 2005، وهو ما يحاول فعله المجلس العسكري ـ بشكل أو آخر ـ من خلال مناورة حل المجلس.
إلا أن حزب الحرية والعدالة ـ والذي يعتبر امتدادا لجماعة الاخوان المسلمين ـ لديه أوراق يعرف متى يستخدمها؛ فالجماعة التي تقف خلفه لديها مؤسسات مجتمع مدني قوية ومتجذرة بين شريحة كبيرة من الشعب المصري، خصوصا الطبقات الفقيرة، وتتميز بمرونة سياسية وقوة شعبية ستؤهلها للتفاوض مع المجلس العسكري، فيجب علينا أيضا ألا نستهين بما يمكن أن يقدمه هذا الحزب للنجاة من المأزق السياسي الحالي الذي وقع فيه.