عبدالعزيز المطيري
في عام 1991، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي، ظهر المفكر والفيلسوف الاميركي المعاصر، استاذ الاقتصاد السياسي، فرانسيس فوكوياما بنظرية جديدة، ضمن كتابه الشهير «نهاية التاريخ.. وخاتم البشر»، مفادها ان الليبرالية الاميركية، وقيم الديموقراطية الغربية، من معتقدات وافكار وتطبيق، في مجالات الثقافة والعلم، والاقتصاد والسياسة، تدل على انها أسمى ما وصل اليه الفكر والتطبيق الانساني، وبأنه بذلك تكون نهاية التاريخ، وان خاتم البشر، هو المواطن الاميركي، بكل أفكاره ومعتقداته وتطبيقاته، وقد اثارت تلك النظرية، العديد من التساؤلات والانتقادات، من قبل علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ، آنذاك، حول دقة وصحة تلك النظرية.
وفي عام 2001، تحدث فوكوياما، بمناسبة مرور 10 سنوات على ظهور تلك النظرية، قائلا إن الانتقاد الوحيد الذي يتقبله عن عدم صحة تلك النظرية، هو العلم، بان العلم في تطور، ولا يتوقف، اي ان التاريخ لن يتوقف عند العلم الذي وصل اليه الانسان الحالي، وقد كان ذلك بداية التحول الجذري لأفكار فوكوياما.
وللذي لا يعرف عن فرانسيس فوكوياما، فهو حاصل على دكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة هارفارد، وتولى مناصب رئيسية ومهمة في بعض مراكز البحوث والدراسات، وكان من أشد من يؤمن بأفكار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ولكن بعد عام 2001، بدأ يبتعد تدريجيا عن تلك الافكار، وأخذ ينحى مسارا مغايرا عما اتخذه في السابق، ولكي نلقي نظرة على نظرية «نهاية التاريخ» فقد لا يعنينا مسار فكره الحالي، بقدر ما يعنينا نهجه السابق، والأحداث المحيطة بذلك، ففي نهاية القرن الماضي، سقط جدار برلين، وبرز الحديث عن وجوب احلال الديموقراطيات في العالم، مع تفرد وقيادة الولايات المتحدة للعالم، وتصوير الاعلام الاميركي، وبعض منظري السياسة، بان الولايات المتحدة هي الداعمة للديموقراطيات الناشئة في تلك الفترة ـ على الرغم من تهميشهم لقمعها لديموقراطيات اخرى ـ وايضا، إلتصاق المحافظين الجدد ببعض الافكار، التي تمتزج فيها الواقعية بالمثالية، كل هذا، اظهرته لنا تلك النظرية، التي ثبت فشلها الواقع الحالي.
فعلى مدى خمس سنين مضت، بدأت هيمنة الولايات المتحدة على العالم والسياسة الخارجية تتضعضع، آخرها ما يحدث في جورجيا والدرع الصاروخية، وبدأت مشاكل كثيرة في الداخل الاميركي تظهر على السطح بوضوح، من تضخم وبطالة متزايدتين، وزيادة الاستهلاك وقلة الانتاج، كل هذا، يسهم في افتراض ان «نهاية التاريخ» لن تكون بأفكار وتطبيقات الليبرالية الاميركية، وان خاتم البشر، لن يكون المواطن الاميركي.
وللحقيقة، فان هذا الافتراض ليس بجديد، فقد تحدث د.ايمانويل تود، استاذ التاريخ الفرنسي، والذي تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي قبل وقوعه بخمسة عشر عاما، بان الولايات المتحدة ستفقد هيمنتها على العالم، بسبب المشاكل آنفة الذكر، في كتابه «ما بعد الامبراطورية: انهيار النظام الاميركي» (2001)، وقد ناقش تود، صحة فرضية فوكوياما، بطريقة علمية وبالأدلة الواقعة، مستنتجا استحالة تحقق تلك الفرضية، مشيرا في كتابه الى ان العالم يجب الا يخطئ، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي، باعتقاده ان توسع النشاط العسكري الاميركي، يعني ازدياد قوتها، بينما الواقع هو عكس ذلك.
وقد استخلص د.تود في كتابه «ما بعد الامبراطورية»، ان الولايات المتحدة ستفقد سيطرتها على ثلاثة مجالات: الاقتصادية، العسكرية، والايديولوجية، وهو ما يثبته الواقع الحالي، من تردي الأوضاع الاقتصادية فيها، ومن الناحية العسكرية: الخسائر البشرية في صفوفها وانخفاض حدة اللهجة العسكرية التي كانت تتحدث بها قبل غزو العراق، اما فيما يتعلق بخصوص الايديولوجية: التذمر الواضح من بعض شعوب العالم، خصوصا في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، من سياسات الولايات المتحدة، ومحاولة رفض ومجابهة بعض الافكار والقيم التي تحاول نشرها، بين تلك الشعوب.
استنتاج د.ايمانويل تود، وايضا الواقع الحالي، يتضاربان مع نظرية فوكوياما ونهاية التاريخ، مبينا عدم صحة هذه النظرية واستحالة تحققها، وهو ما اعتقد بانه لم يكن في حسبان البعض، خصوصا الذين أيدوا تلك النظرية بقوة في الوطن العربي، في العقد الماضي، وحتى بداية هذا العقد، وبالتالي، فانه يجب علينا ان ننظر الى الأمور من خلال الحقائق والواقع، بعيدا عن الأهواء والمثاليات، التي غالبا ما تقوض من حكمنا على الاحداث.