عبدالهادي الصالح
ملف حماية الوحدة الوطنية أكد عليه النطق السامي الأخير وبتفصيل أكثر تضمنه الخطاب الأميري من بعده، وهو ما يثير غبطة وسرور المواطنين الذين يتوجسون خوفا وقلقا منذ زمن ليس بالقصير على النسيج الوطني الذي يتعرض إلى ضربات موجعة رغم ان الخطابات الرسمية تحث دائما على الوحدة الوطنية، لكن هذه المرة يبدو أن هناك جدية في النزول إلى الواقع ومعالجة سلبياته في هذا المضمار.
فالظواهر الفئوية البغيضة التي أبرز صورها الطائفية، يبدو انها مستوردة من خارج المجتمع الكويتي الأصيل ومفتعلة أكثر من ان تكون متطبعة في أخلاق الكويتيين، ونظرة بسيطة للكويت القديمة: سفن الغوص والسفر والأسواق والمهن ومساجد وحسينيات الكويت العتيقة تظهر بوضوح الاندماج الاجتماعي بينهم بلا أي حساسية، اللهم إلا الجانب السياسي الذي ظهر إبان المجلس التشريعي 1938، وأعتقد انه أمر طارئ انطلق من الحماس القومي العربي الذي ينظر للشيعة على أنهم إيرانيون! وما أشبه اليوم بالبارحة فالوضع الإقليمي المحيط بالكويت الآن متفجر بالدعوات الطائفية التي اتخذت أشكالا وصورا متعددة اما تصريحا او تلميحا في شتى مناحي الحياة حربا وعنفا وسياسة وأحزابا تكفيرية، وكلنا نذكر تصريحات الهلال الشيعي والولاء لإيران، والكلام يطول في تفصيل ذلك، لكن نريد ان ندخل الى صلب موضوع الملف الأول: كيف نحمي وحدتنا الوطنية، ومباشرة وباقتضاب شديد نشير إلى أبرز مكامن الخطر كما يلي:
الثقافة الوطنية: ينبغي تثقيف الشارع الكويتي بمخاطر الفرقة والتطاحن الطائفي والتحذير دائما من مغبة ذلك والاستفادة من المجتمعات التي انكوت منها ولم تزر على الأرض شيئا مذكورا، وعلى أجهزة الدولة ان تكون قدوة ومثالا يحتذى به في تجريم أي مظهر من مظاهر المساس بالوحدة الوطنية.
النظام الانتخابي: يتم تعديله بحيث يمنع الاصطفاف الطائفي مع إتاحة الفرصة لتمثيل جميع شرائح المجتمع التي تحمل الرؤى والفكر الوطني الذي يتمثل في النائب الفائز الذي يمثل الأمة بأسرها بحيث يستشعر ويتبنى كل هواجس جميع شرائح المجتمع تطبيقا لنص المادة 108 من الدستور.
المناهج التعليمية: جبل رجال الكويت ونساؤها الذين تعلموا في مدارسها أيام الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وما بعدها حتى هذا العقد الأخير على الوحدة الوطنية، فلم تكن المناهج تتضمن حساسيات مذهبية رغم انها تعرض لحوادث تاريخية وتفسيرات للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فهل هؤلاء موصوفون بعدم النقاء العقائدي، كما يحلو للبعض وصفهم عبر مناهج تكفر زوار قبور أهل البيت عليهم السلام والأولياء الصالحين. مدارس الحكومة الكويتية من المرافق العامة لا الخاصة، ولذلك يتعلم فيها كل الطلبة بمختلف هوياتهم الدينية، فلماذا نجبر الطالب الشيعي على أشياء لا يعتقد بها وتمثل إكراها لمتبنياته الدينية ويتم ترسيبه اذا لم يقر بها! اذا كان ولابد فليكن ذلك في المعاهد والكليات الدينية التخصصية التي يذهب اليها من يريد ان يتخصص فيها شريطة ان تعرض كل الآراء الأخرى المعارضة بالمستوى نفسه من التفصيل فهذا منطق الديموقراطية الكويتية والتعددية، حتى ننعم بجيل مطلع على آراء أهل الكويت ـ على الأقل ـ فيتفق معهم أو يعذرهم على فرض عدم قناعته، وليس صحيحا ان نصف المجتمع الكويتي بأنه مجتمع سني أو شيعي! فالدستور لا يعترف بهذه الفروقات ولم يخاطبهم الا بصفتهم المواطنية فهم أهل الكويت جميعا.
وزارة الأوقاف والمساجد: وهذه للأسف أحد أهم محاور الفرقة والطائفية في البلاد فرغم ان مساجد الكويت تملأ كل مساحتها إلا انها تمارس الطائفية البغيضة بالتعنت على طلبات الشيعة للمساجد وان تكرمت فهي بالقطارة وضمن حسابات سياسية دقيقة جدا مما يثير حفيظة المواطنين الشيعة، وهذا الأمر فيه ملفات ووثائق مدمغة يتخللها طلب توقيعات الجيران والبحث عن مساحة أشبه ما تكون بالجزيرة الموبوءة التي لا يجاورها إنس ولا جان، ويا ريت يكتفون بذلك! بل يرهقون أصحاب الطلبات لعقود من الزمن، نعم عقود تم حفظها في سلة المهملات!
فما الضير ان يكون في الضاحية الواحدة عشرة مساجد واحد منها فقط للشيعة، اما القول ان المساجد هي كلها للمصلين بكل طوائفهم فهذا صحيح نظريا، لكنه على أرض الواقع معرض للتطاحن نتيجة لبعض الاختلافات الفقهية التي قد لا يسمح بها البعض لقصور في الثقافة الإسلامية.
وزارة الإعلام: لم يعد مقبولا الآن مع هذا الكم الهائل من الفضائيات الرسمية لبعض الدول وغير الرسمية للجماعات والمنظمات الإسلامية وبعض المتطرفين طائفيا والبعض يعرض ما يفتقد على شاشة تلفزيونات الكويت، فالمشاهد هنا يرى نهمه واستفتاءاته الدينية التي تلبي حاجاته على تلك المحطات، والتي من المحتمل جدا ان تكون ملغمة برسائل سياسية قد لا تتفق مع مصالحنا الوطنية، فماذا لو ان الفضائيات الرسمية الكويتية مع البرامج الإذاعية كسرت هذا الاحتكار الديني الذي يعرض الرأي الواحد فقط ويتجاهل شريحة أخرى من المجتمع الكويتي ولا يدع لها فرص الثقافة الدينية التعددية، طيب أين ذلك من برامج الوسطية واحترام الرأي الآخر؟! والتي طالما بشرت بها دولتنا العالم من حولنا من خلال مركز الوسطية وغيره!
أضف إلى ذلك الرقابة المفرطة والموجهة التي تمنع الكتب بتعسف واضح لا مبرر له إلا محاولة ترضية بعض القوى الدينية للمقايضات السياسية والنتيجة «لا طبنا ولا غدا الشر»!
طبعا هذا كله غيض من فيض والأمر بحاجة الى جلسات مغلقة أو علانية للتفصيل فيه وفي غيره من الأمور التي تحتاج إلى مزيد من المقالات واذا كانت الحكومة جادة في حلحلة كل ما يثير الطائفية فعليها العمل لغلق هذه التجاوزات التي تنضح بها مؤسساتها الرسمية التي هي أولى بالابتداء بها للتصحيح ولحماية الوحدة الوطنية ولتكن المسطرة هي المبادئ الدستورية التي تقر بحق المواطنة لكل المواطنين سواسية.