كانت ليلة المالد في الكويت القديمة، ليلة بهجة وفرح حيث تحتفل المساجد والحسينيات بالمولد النبوي الشريف، أذكر كنا صغارا نذهب إلى مسجد عبد الإله القناعي القريب من بيتنا في شارع الميدان قرب المطبة في منطقة شرق، لنستمتع بالأهازيج والأناشيد التي تروي قصة المولد الشريف يرددها الرجال وقد اصطفوا صفين متقابلين، وقد تقاطر أهل الفريج احتفالا واستمتاعا، وقد وزع علينا «الملبس» وهو عبارة عن حبات من المكسرات المحلاة. وقد اندثرت للأسف هذه العادة الشعبية المحببة وقد استعيض بمنصات في مسجد السوق الكبير لإلقاء الكلمات والشعر، وحتى هذه ألغيت استجابة لضغوطات ادعاءات البدع والضلالة!
لكن قصة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تثير الشجن والحزن والبكاء، فقد فتح عينيه ولم يجد أباه الذي توفي قبل ولادته، وزهدت فيه المرضعات إلا حليمة السعدية، ولما عاد إلى أمه الحنون السيدة آمنة، لم يكد يهنأ بحنانها حتى توفيت وهو في السادسة من عمره الشريف عند عودتها من زيارة أخواله من بني النجار، ففقد دفء حنان الأم الرؤوم (وكان يزور قبرها ويناجيها فيبكي، ويبكي من معه لبكائه) لتحتضنه الخادمة أم أيمن الحبشية في رحلة العودة، لتسلمه إلى جده عبدالمطلب، ولم يكد يفيض عليه بالحب والرعاية حتى توفي هو الآخر، والنبي لم يتجاوز الثامنة من عمره الشريف، ليكفله عمه أبوطالب الذي رافقه في صباه وشبابه وكان له المدافع الشرس ضد أباطرة الكفر والشرك، وكانت زوجته فاطمة بنت أسد (والدة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام) تعوضه بحبها وحنانها، حتى قال عنها صلى الله عليه وآله وسلم يوم وفاتها «اليوم ماتت أمي، إنها كانت أمي أن كانت لتجيع صبيانها وتشبعني، وتشعثهم وتدهنني، وكانت أمي».
وبعد كل هذه المآسي الحزينة يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أدبني ربي فأحسن تأديبي».
وهي رسالة إلى كل قلب مكلوم بالحزن والأسى من أهوال الدنيا.
[email protected]