لم تكن واقعة محاولة الاعتداء المؤسفة على الرئيس مرزوق الغانم مؤخرا، فريدة ونادرة الحدوث، فطالما شهدت المقابر نزاعات وملاسنات وتشابكا بالأيدي وقضايا تصل إلى مخافر الشرطة، والسبب تبعات هذا المتوفى! فقد هرع الجميع إلى مثواه الأخير بالمقبرة: الورثة والأرحام والأصدقاء والأضداد المختلفون، ليتواجدوا جميعا في مكان محدود وجها لوجه، فيهم الطيب الذي يتعظ من هيبة سكون موتى المقبرة، ويسعى لإعادة الود والصفح عما مضى، فالدنيا ما تسوى! ومنهم من جعل يده مغلولة وراء ظهره استكبارا عن رد السلام والتحية من غريمه، ومنهم من أخذ بتلابيب ثياب خصمه يجره إلى مغتسل الميت! قائلا: شوف ترى راح تكون على هذه الدكة وما راح أسامحك! وتكررت صور الورثة الأعداء وهم يتنازعون على الإرث وهم على شفا حفرة قبر أبيهم ولم يوار الثرى بعد! والأمر، النزاع والتنافس الخفي والمعلن حول الاستحواذ على الهدية المالية جراء مراسيم دفن الميت، رغم منع البلدية وإشكالية فقه دفن الميت.
والأشنع والطامة الكبرى أن تتحول زيارة قبر الميت إلى نزاع ديني بين حلال المذاهب الإسلامية وحرامهم، تصل إلى التكفير، لتتطور إلى الغزو المسلح على مراقد آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - كما يحدثنا التاريخ - لتسفك فيها الدماء البريئة، وتنهب النفائس والممتلكات، كما حدث في غزو كربلاء المقدسة عام 1802م.
وقصف مدينة مشهد المقدسة عام 1912 مثلما فجرت قبة الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء عام 2006.
وقد سجل القرآن الكريم توبيخا لمن أعماهم التعصب والتباهي والتلهي بمتاع الدنيا والتكاثر، حتى أوصلهم إلى إحصاء الموتى في القبور (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر).
[email protected]