كانت الأجواء قبل 1990/8/2 خانقة: انعكاسات الحرب الإيرانية - العراقية وآثارها على العلاقات المتوترة شعبيا: الأغلبية مع عراق صدام حسين، والقليل مع إيران آية الله الخميني! وضد الدعم اللامحدود للأول، والاتهامات بالولاء الخارجي لإيران، والإعلام المسير من قبل السفارة العراقية يضغط بأصابع الاتهامات نحو المواطنين الشرفاء، والتفجيرات والمنشورات تضغط على القرار الرسمي الكويتي، والدلائل تشير بالاتهام إلى الأحزاب الخارجية ! ولدينا شهداء في الخارج، وأمن الدولة تطارد شبابنا وشيابنا في الداخل والخارج منهم نشطاء الطلبة والتحقيقات الشاقة معهم ليلا ونهارا، واحتجاج القوى الوطنية السياسية ضد حل مجلس الأمة، وتعطيل مواد دستورية بتقليص حريات الرأي، ودواوين الاثنين تتحدى المنع الأمني وسط مطاردات في الشوارع! والقوى السياسية منقسمة على بعضها من الداخل.
كانت أجواء متوترة والرؤية المستقبلية قاتمة والشقاق يفت في عضد اللحمة الوطنية، والرائحة الطائفية المقيتة تملأ الأجواء، والمشاعر يختلجها الحزن واليأس والقنوط، والخوف والوجل على مستقبل البلاد وأطفاله، والمصلون يلهجون في المساجد: «إلهي عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وانقطع الرجاء، وضاقت الأرض، ومنعت السماء، وانت المستعان، واليك المشتكى، وعليك المعول في الشدة والرخاء، اللهم صل على محمد وآل محمد، أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم، وعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا قريبا كلمح البصر أو هو اقرب...».
وفور انتهاء مجالس عاشوراء، وذرف دموع الحزن والقهر على مظلومية سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام الحسين عليه السلام، وبالتحديد في
11 محرم 1411 هـ (1990/8/2م)، كان الخميس الأسود عندما هتكت الجحافل العسكرية للحزب البعثي الحاكم العراقي الحدود الكويتية، وتجاسرت على الوطن والمواطنين، هنا وقف الشعب الكويتي وقفة رجل واحد في قلب واحد، وقد تناسوا جميعا خلافاتهم، ونسوا خصامهم مع السلطة، وتكاتفوا بالعصيان المدني الموحد، وتكافلوا في معايشهم، ورفعوا أكف الدعاء في صلواتهم، وامتشقوا بنادقهم وعلت أصوات حناجرهم للعالم: «لا للغزو البعثي العراقي المجرم، نعم للسلطة الشرعية الدستورية الكويتية»، وذابت كل الخلافات الشعبية بينهم، وبرزت الوحدة الوطنية بأشرف صورها المشرقة، فلا صوت يعلو صوت «الكويت حرة»! لتعود الكويت - بحمد الله تعالى - في 1991/2/26 كما كانت جميلة بعودة الشرعية الدستورية والحريات وعودة الحياة البرلمانية.
[email protected]