عندما يطغى الفساد بأنواعه على الدولة هنا يبدأ الناس يفقدون الثقة بالسلطة الحاكمة، ويضيع الشعور بالأمان والطمأنينة، مما قد يضطرهم لأن يحموا أنفسهم بأيديهم، وتتمحور كل فئة حول ذاتها، والالتجاء إلى الأدوات غير المشروعة.
وينقلب المجتمع إلى فوضى عارمة، ويخلق صراع ينازع السلطات ويساومها في اختصاصاتها الدستورية بالإدارة والمال العام وبسط العدالة المجتمعية، وهي المفاصل الرئيسية للدولة، مما يحتاج إلى مواجهة إصلاحية فورية صارمة في القرار وقوة في التنفيذ لا تلين.
ولنا في تراثنا تجربة ثرية كان قائدها أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام عندما دب الفساد بجسد الدولة الإسلامية، فأصر على عزل القيادات الفاسدة، الذين عينوا بحسب القرابة والصداقة والولاء الشخصي، ولم تكن لهم دراية ولا أمـــانة، مما كـــان سببا في تــردي الخدمات العـــامة وتسهيل سرقة المال العام وظلم الموظفين الذين لم يكونوا على هواهم.
وقال: «... آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، والصالحين حربا، والفاسقين حزبا..» وقام بعملية تصحيحية فورية، فولى رجالا من أهل الأمانة، والعفة والحزم، وتــحت المراقبة الصارمة، عاملا فيـــهم بمبدأ: من أين لك هذا؟! وقـــد أصاب هذا الإجراء الأسماء المستنفعة بضربة قاصمة في كبريائهــم، وسلطانهم ونفوذهم!
ونادى بأن المسلمين جميعا متساوون أمام الحق: «الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه»، معلنا مصادرة جميع ما اقتطع من المال العام من الأراضي والعقارات، واسترد ما أخذ أو وهب بغير حق، فقال بصفته حاكما وقدوة ومؤتمنا على المال العام: «أيها الناس، إني رجل منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم، وإني حاملكم على منهج نبيكم، ومنفذ فيكم ما أمر به، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العــدل فالجور عليه أضيق».
وقــد كـــان من الطبيعي أن تقوم حــــركة تمرد حبلى بالدسائس والمـــؤامرات، وعبر شراء الضمائر، ليـــقتل عليه السلام بــعد أن غرس فـــي عـــقول الناس وقــلوبهم المبادئ الإسلامية في إدارة الحكم وحماية المال العام.
[email protected]