يعيش بعض علماء الدين أزمة حرج شديد ما بين خطبهم الوعظية السابقة في التنديد بالإسرائيليين، وتعداد جرائمهم ونقضهم للعهود والمواثيق.
ثم ما فرض عليهم فجأة من التطبيع معهم! وما يتطلب منهم إعطاء تبريرات شرعية تسوغ التطبيع، وتسوق التفسير الجديد للنصوص الدينية.
لأن اغلب هؤلاء العلماء هم تحت مناصب وظيفية رسمية، وبمقابل رواتب وامتيازات مادية، واستقرت معايشهم على هذا المستوى.
علاوة على ان الوقوف ضد التطبيع يجعلهم في معسكر المقاومة لإسرائيل، والتي ترمز الى إيران وحلفائها، الأعداء لكل مشاريع السلام العربي - الاسرائيلي.
ان تداول أرشيف المواقف الدينية المتقلبة أوقع الناس في حيرة شديدة، وربما سيؤدي الى زعزعة الثقة في المؤسسة الدينية الاسلامية.
ومثلما توجد مطالبات تنادي باستقلالية القضاء، فإن من الأهمية المطالبة كذلك باستقلالية أهل العلم الشرعي ومؤسساتهم الدينية وأموالها، بما يحول دون ان تبسط أيديهم الى المال السياسي، ودون ان تمتد عيونهم الى المناصب والتزاماتها الضاغطة.
ففي الحديث الشريف: «اذا رأيت الحاكم على باب العالم فنعم العالم ونعم الحاكم، واذا رأيت العالم على باب الحاكم فبئس العالم وبئس الحاكم».
وفي التاريخ ضغط الخليفة العباسي من أجل كسر استقلالية الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فقد كتب المنصور إلى الإمام: لم لا تغشانا كما تغشانا الناس؟ فأجابه: (ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا نراها نقمة فنعزيك، فما نصنع عندك). فكتب المنصور إليه: «تصحبنا لتنصحنا»!
فأجابه (عليه السلام): (من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك).
ويمكن تحصين استقلالية المؤسسة الدينية والعلماء، بتأمين تمويلهم من الحقوق المالية الشرعية المتنوعة.
وهو ما يجري عليه علماء المدرسة الاسلامية الجعفرية، حيث أثبتت استقلاليتها عن الحكومات على مدى التاريخ القديم والحديث - دون مخالفة النظام العام - وذلك بفضل شعيرة وجوب اخراج الخمس، ومن ريع الاوقاف الموقوفة على العلماء وطلاب الحوزات الدينية.
ولعل من ثمرات ذلك استقلالية آية الله العظمى المرحوم السيد محمد حسن الشيرازي الذي اصدر فتوى ضد الاتفاقية الايرانية - البريطانية لاحتكار التنباك عام 1891.
وفي عام 1938 أصدر العلامة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء حكم وجوب الجهاد في فلسطين.
كما استقل آية الله العظمى السيد علي السيستاني في فتوى الجهاد الكفائي في جمع الحشود الشعبية لمقاومة ودحر خطر الدواعش على الدولة العراقية عام 2014.
فالفتوى الدينية ينبغي ألا تخضع الا لمصادرها الشرعية المقررة، وباستقلالية تامة، والعبث بها من الكبائر!
[email protected]