عهد الخليفة العباسي «الرشيد» في تقاسم السلطة إلى أبنائه: الأمين والمأمون والقاسم، لكن ما إن مات حتى نشب الخلاف والقتال داخل البيت العباسي، وخضعت الدولة العباسية إلى اضطراب سياسي وصراع دموي، استشرى فيها الفساد ونهب الأموال العامة، مما شجع المعارضين والمضطهدين على القيام بانتفاضات وثورات، وخاصة من العلويين الذين رفعوا رايات الجهاد يؤازرهم بعض العلماء من المدارس الإسلامية والسياسيين.
ولم يشارك فيها أئمة أهل البيت عليهم السلام لما لهم من حنكة سياسية وبعد نظر، حيث يرون أن مصير كل ذلك الفشل!
فكان هذا الحراك السياسي والثوري مصدر عدم استقرار وإزعاج للخلافة العباسية التي آلت إلى قيادة «المأمون»، الذي حاول أن يهدئ ساحته، ويسعى إلى إقناع الخصوم بالاعتدال، فلجأ إلى مهادنة العلويين واستمالة الرأي العام، وبادر لترضيتهم بتنصيب الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بالخلافة وولاية العهد، بصفته الإمام المفترض الطاعة من أهل البيت عليهم السلام، والذي كان لا يزال في المدينة المنورة يمارس دوره القيادي في التدريس العلمي للشريعة الإسلامية، والتوجيه الأخلاقي، وعبر الحوار والمناظرات لمواجهة تسرب أفكار الزندقة، والانحدار السلوكي والمجون. فاستدعى الخليفة جبرا الإمام الرضا إلى التوجه إلى «مرو» عاصمة المأمون العباسي في إقليم خراسان في شرق بلاد فارس للتشاور، وذلك في رحلة طويلة كان للإمام الرضا عليه السلام وقفات توعوية وإرشادية مع جمهور وعلماء المدن التي مر بها.
وفي مرو طرح المأمون على الإمام ولاية العهد، لكن الإمام الرضا عليه السلام رفض هذا المنصب لأنه كان يدرك أهداف المأمون من وراء «ولاية العهد»، يريد الإقرار بشرعية حكمه وتثبيت سلطته. وبعد محاولات عدة لجأ المأمون إلى التهديد بما يعرض مصالح الإسلام والمسلمين إلى الخطر، فاضطر خلالها الإمام الرضا عليه السلام إلى قبول ولاية العهد ولكن بشروط! ومنها ألا يتدخل في أمور الدولة وقراراتها، ولا يتحمل أي مسؤولية، يعني قبولا رمزيا مجردا من أي صلاحية.
ورغم ذلك فقد اتجهت قلوب الناس وعقولهم إلى الإمام، وثبت أنه أكثر فاعلية وتأثيرا على الجماهير، ومع ضغوطات رجالات بني العباس، ودسائس حواشي الخليفة الذي أدرك خطورة وجود شخص الإمام، لجأ إلى اغتياله غيلة عبر تسريب السم إلى الفاكهة، فاستشهد الإمام علي بن موسى الرضا في مثل هذه الأيام من صفر سنة 203 هـ ودفن بمدينة طوس وتعرف اليوم بمدينة «مشهد» حيث يتشرف بزيارة المرقد الرضوي الشريف ملايين الناس من أنحاء المعمورة، وفاء للمودة والولاء لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
[email protected]