«يزهب الدوا قبل الفلعة»، مثل كويتي قديم يقصد به أن هناك أشخاصا يجهزون الدواء قبل إصابتهم بجرح، وكان من ينسب إليه هذا المثل يكون غالبا محط استهزاء من الناس، لأنه وحسب وجهة نظرهم في ذلك الوقت يقوم بشراء الدواء وتجهيزه وقد لا يستخدمه، وقد تم تداول هذا المثل القديم في زمن البساطة وحسن النية قبل ظهور النفط، حيث كان الأمن والاستقرار مستتبين في جميع أنحاء الكويت، ولم تكن هناك مخاطر تحيط بنا أو يخشى منها، وكما كان يقال في ذلك الوقت ماكو إلا العافية، ولم يكن وقتها لدينا جيران سوء يطمعون بخيراتنا ولا أعمال إرهابية تهدد أمن البلاد والعباد.
ولكن في زمننا هذا وبعد بزوغ نجم الكويت وتفجر خيراتها انقلبت الأمور، فالمخاطر أصبحت تحيط بنا من كل حدب وصوب، وحولنا جيران يسيل لعابهم لخيراتنا ينتظرون لحظة الغفلة لابتلاعنا، وأصبحنا نواجه التهديد بزعزعة الأمن والابتزاز من الأعداء والطامعين من الخارج، وأصبحوا يحركون ويمولون خلاياهم النائمة وعملاءهم من الداخل لتحقيق أهدافهم، وهنا أصبح لزاما علينا أن نذهب الدوا الآن وقبل الفلعة، وإن لم نفعل ذلك سنكون من المتسببين والمساهمين في تعريض أمن البلاد والعباد للأخطار.
منذ فترة غير وجيزة ظهر مصطلح يطلق عليه إدارة الأزمات (Crisis Management)، وأصبح تخصصا وعلما وفنا إستراتيجيا يدرس في أكبر الجامعات، وأصبحت الدول المتحضرة والواعية تتسابق لإنشاء مراكز متخصصة للإدارة الأزمات، وتخصص مباني وميزانيات ضخمة لتفعيل وتشغيل مثل هذه المراكز، وتقوم بتعيين وتدريب الكوادر البشرية الوطنية المتخصصة لتشغيلها.
الأزمات قد تحدث على سبيل المثال لا الحصر بشكل تهديدات عسكرية خارجية، أو مواجهة تنظيمات إرهابية داخلية، أو حدوث كوارث طبيعية أو اقتصادية أو بيئية، أو حرائق في منشآت حيوية أو أزمة نزوح واختراق لاجئين لحدود البلاد.
إن إدارة الأزمات وبمفهوم مبسط يعني توقع ودراسة التهديدات والمخاطر التي قد تحدث في المستقبل والتي من شأنها التأثير بشكل سلبي على أمن ومصالح واستقرار الدولة، ووضع الدراسات والخطط اللازمة للتصدي لها، كذلك وضع الخطة اللازمة والميزانيات المناسبة لمعالجة التداعيات السلبية عند حدوث هذه الأزمات، ثم مراجعة الدروس المستفادة وتقييم الوضع وتحديد أوجه القصور في التطبيق إن وجدت.
والكويت ورغم ما مرت به من أزمات وكوارث خطيرة ومتعددة بدءا بتهديد المقبور عبدالكريم قاسم في أوائل ستينيات القرن الماضي مرورا بالتهديدات الإرهابية والتفجيرات التي هزت الكويت أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأزمة المناخ في بداية الثمانينيات والغزو الصدامي للكويت والكوارث البيئية التي حدثت نتيجة لحرائق النفط بعدها، وما نعيشه الآن من تهديدات قد تشعل حرب واسعة ومدمرة من حولنا، إلا أننا مازلنا نقف موقف المتفرج، ولم نستعد لمواجهة هذه الأزمات غير بالتصريحات الشفوية الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم نبدأ حتى الآن بمباشرة إنشاء مركز لإدارة الأزمات.
الفريق محمد البدر، رحمة الله عليه، رئيس لجنة متابعة القرارات الأمنية التابعة لمجلس الوزراء، مع فريق عمله قدموا إلى مجلس الوزراء دراسة مفصلة وخارطة طريق أخذت منهم الكثير من الجهد والوقت، أوضحوا من خلالها كل الخطوات اللازمة لإنشاء مثل هذا المركز، وظل الموضوع يحوم لسنوات في أروقة المجلس إلى أن تم مؤخرا تكليف الهيئة العامة للاتصالات بمتابعة إنشاء هذا المركز.
كان الأحرى بنا أن نستفيد من الدروس والأزمات السابقة، وأعتقد أنه يجب علينا الآن أن نعيد تقدير الموقف ونقيم الوضع في المنطقة ومن حولنا، الوضع خطير جدا ونحن نعيش على فوهة بركان قد ينفجر بأي لحظة ويجب الإسراع بفصل موضوع إدارة الأزمات عن البلدية، وتكليف أصحاب الاختصاص بمتابعة هذا الموضوع الحساس والخطير وإعطائه الأولوية في التنفيذ، والإسراع بتطبيق الخطة التي وضعها فريق اللجنة الأمنية التابعة لمجلس الوزراء أو على الأقل وحتى لا نعود للمربع الأول نقوم بإعادة تقييم الدراسة المقدمة لتكون نقطة انطلاق للمشروع، وللحديث بقية إن شاء الله.