ذكرى فجر يوم الخميس 2/8/1990 حفرت في ذاكرتنا ولن ننساها أبدا بحلوها ومرها، اليوم لن أتكلم عما فعله جنود صدام المقبور من جرائم بحق الكويت الغالية وشعبها الباسل، بل سأتطرق لظاهرة يندر أن تحدث أو تتكرر في أي بلد آخر غير الكويت، حيث كنا تحت ظلم وقهر المحتل إلا أن ما كان يهون علينا مصائبنا ويزيد من صمودنا فترة الغزو هو ثقتنا بأن قيادتنا الحكيمة لن تتخلى عنا وستبذل كل ما بوسعها لإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتنا، وقد كنا نتابع جهود حكومتنا عن طريق الأخبار ونجتمع على أجهزة المذياع نتابع بشغف وعلى أحر من الجمر آخر التطورات، وما كان يهون علينا أيضا هو تلاحمنا كجبهة داخلية موحدة رغم قلة حيلتنا وعددنا، وكان سلاح الدمار الشامل الفتاك الذي كنا نتسلح به ولم يستطع الغزاة الحصول عليه، هو حب الوطن وإيماننا بالله عز وجل وثقتنا بنصره ولو بعد حين.
كشف هذا الغزو المعدن الأصيل لشعب الكويت حيث اجتمع الكويتيون على مختلف طبقاتهم ومشاربهم وطوائفهم تحت راية الكويت للدفاع عنها ولتقديم أرواحهم رخيصة لها، ومنهم من روت دماؤهم الطاهرة ثراها لإحياء روح الحماس والصمود في وجه المحتل، ونكن كل الاحترام والتقدير ونلتمس العذر لكل من غادر الكويت أثناء الغزو لظروفه الخاصة، وأذكر ان الكثير من العوائل الكريمة التي غادرت سلمت مفاتيح بيوتها بكل ما تحتويه من مواد غذائية وأجهزة وأثاث لأبطال المقاومة لاستغلالها عند الحاجة وقالوا لنا كل ما في البيت حلالكم، وهناك من الإخوة من كان خارج الكويت وقت الغزو إلا أنهم غامروا بأرواحهم وأصروا على دخول الكويت للالتحاق بصفوف إخوانهم من الصامدين، والكثير ممن تواجدوا أتيحت لهم فرص المغادرة إلا أنهم اعتبروا أن الكويت هي روحهم، وخروجهم منها هو بمنزلة خروج الأرواح من أجسادهم.
في تلك الفترة ورغم ما عانيناه من ظروف قاهرة فقد انتابنا شعور بأننا أصبحنا أكثر تقاربا من ذي قبل، فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد عرفت في ذلك الوقت ولكننا كنا نتواصل بطرق متعددة، إن هؤلاء الأبطال الذين واجهوا الغزاة المدججين بالأسلحة المدمرة بما توفر لهم من أسلحة خفيفة من مخلفات العسكريين الذين غادروا معسكراتهم ولم ينكسروا، لقد عاشوا في ظروف صعبة لا يعلم بها إلا الله، ومروا بأحداث كانوا يروا الموت فيها ويتوقعونه بأي لحظة، اشتغلوا عمال نظافة وجمعوا القمامة وخبزوا في المخابز، وعملوا كل ما من شأنه إدامة الحياة الطبيعية لشعبهم الصامد، ما قدمناه للكويت والدفاع عنها لم يكن للحصول على مقابل مادي أو معنوي، أو للتباهي بأننا فعلنا كذا.. وكذا، لنظهر أننا كنا أبطال التحرير، الكويت مهما قدمنا لها فلن نوفيها حقها.
مازلت أذكر كم بكيت ومن معي بحرقة ومرارة في يوم الغزو المشؤوم لإحساسنا بأن ديرتنا قد ضاعت، وبكينا أكثر من شدة الفرح يوم التحرير، فقد كان شعورا يصعب وصفه، استنشقنا عبق هواء فجر يوم 26 فبراير1991 وكانت له رائحة خاصة عطرة ومميزة رغم التلوث الذي خلفته حرائق الآبار، ويعرف ويحس بمعنى كلامي هذا كل من كان على أرض الكويت الحبيبة يوم التحرير.
حب الكويت الحقيقي يسكن في قلوبنا بعيدا عن التباهي بالشعارات المزيفة والتسابق للظهور الإعلامي، والحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة التحرير وأعاد لنا بلدنا وشرعيتنا وحفظنا من شر الغزاة، وندعو بالرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار، وكل عام والكويت وأهلها الشرفاء بكل خير.
[email protected]