لا شك أن أزمة كورونا وأحداثها المتسارعة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه وسيظل ذكرها محور تداول للأجيال القادمة، نظرا لفداحة هذا الوباء وسرعته القياسية في الانتشار وحصد الأرواح من سكان الدول الفقيرة والغنية على حد سواء، وستظل ذكراها راسخة في أذهاننا لما عانيناه من تشاؤم وخوف من المجهول، وفي الوقت نفسه كانت هناك العديد من الفوائد التي اكتسبها أفراد الأسرة من هذه الأزمة، وعلى الأخص الجيل الناشئ وأذكر منها على سبيل المثال:
1 - الحظر جمع شمل الأسرة المتباعدة وأعاد تقاربها وترابطها، حيث أجبر الآباء الذين كانوا دائما مشغولين بالعمل أو رحلات السفر، أو ارتياد الدواوين، بعضهم في البحر وآخرون في البر، أجبرهم على أن يكونوا متواجدين طوال اليوم في البيت، والوضع ينطبق على الأمهات اللائي كن يترددن على مراكز التسوق معظم الوقت، أو الكافيهات أو يحضرن الحفلات أو السفر مع الشلة، والطلبة والطالبات الذين كانوا يقضون أغلب أوقاتهم في المدارس والجامعات، أو في المطاعم، تجمعوا كلهم تحت سقف واحد في ظاهرة لم يسبق لها مثيل في تاريخنا المعاصر.
2 - أتاحت هذه الأزمة المجال للتقارب العائلي والديني متمثلا في لم شمل العائلة لأداء صلاة الجماعة في البيت، حيث يؤم الأب أو الابن العائلة في الصلاة، كما أصبح هناك متسع من الوقت لقراءة وختم القرآن الكريم.
3 - هذا التجمع ساهم وبشكل كبير في التقارب النفسي والاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ومع مرور الوقت بدأ كل فرد يتعرف على طباع الآخر أكثر وأكثر.
4 - اضطر الشباب ورب الأسرة للقيام بأعمال الصيانة المنزلية بأنفسهم سواء كانت صيانة كهربائية أو صحية أوغيرها، وبالفعل قاموا بإنجازها دون الاعتماد على العمالة الوافدة، وأصبح منظرا مألوفا أن ترى رجلا أو شابا عند لوازم العائلة يحمل سلة تحتوي على عدة للصيانة وأسلاك كهربائية، ومفاتيح كهربائية وغيرها.
5 - كان هناك الكثير من الموظفين اعتادوا كل عام أن يقدموا إجازة للتعبد والتهجد في شهر رمضان، فجاءتهم الإجازة أضعافا مضاعفة وبراتب كامل، مع الاحتفاظ بكامل رصيد الإجازة السنوي.
6 - خلال هذه الفترة ازدهرت التجارة الإلكترونية، حيث تدرب الكثير من الكبار والشباب وأتقنوا التسوق والتبضع لشراء مختلف المتطلبات، أو لطلب الوجبات على مواقع الإنترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من المواقع المحلية أوالدولية.
7 - خاض طلبة المدارس الخاصة تجربة فريدة من نوعها وهي تجربة التعلم عن بعد، وكانت نقلة نوعية في التعليم لم يسبق لها مثيل في الكويت، وبرأيي الخاص لا يجب اعتماد هذه التجربة قبل إجراء المزيد من الدراسات المتكاملة لمعرفة مزاياها وعيوبها قبل التطبيق.
8 - الجيل الحالي لم يمر بالظروف المريرة التي عانيناها قبل ثلاثين عاما أثناء الاحتلال العراقي البغيض، ولكن في ظل أزمة كورونا تدرب على التأقلم نوعا ما مع ظروف يشوبها بعض الحرمان من عدم توافر كل ما تشتهيه النفس، وتدربوا على التعايش والصبر تحت بعض الظروف القاسية، والتي لم يكن معتادا عليها، وتعودوا على توقع الأسوأ وعاشوا ظروفا انضباطية لم يعهدوها من قبل، وتعلموا الالتزام والحرص على اتباع التعليمات المقيدة للحرية والانصياع لها.
9 - وأعظم الدروس المستفادة للأجيال الناشئة، عرفوا أنه يحق لهم أن يفتخروا بانتمائهم للكويت، هذا البلد المعطاء بقيادة رمزها الكبير صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه، والذي بادر بإصدار أوامره السامية للحكومة بكل قطاعاتها لإعادة جميع العوائل الكويتية العالقة في الخارج، ولم شملهم مع أهلهم وأحبابهم، ووفر لهم كل سبل الراحة في الغربة، فكانت إقامتهم في أرقى الفنادق مع الوجبات الكاملة، وهيأت لهم نفس الضيافة في المحاجر الصحية عند وصولهم، وما هي بغريبة على أمير الإنسانية، نعم أنا كويتي وأفتخر.
[email protected]