العمل التطوعي هو ظاهرة إيجابية تلعب دورا مهما في إضفاء صورة إيجابية عن المجتمع، ويقوم بها فرد أو أفراد أومنظمات طواعية دون وجود أي تكليف أوأمر لهم من أي جهة كانت من أجل خدمة المجتمع، ولا ينشدون من وراء عملهم أي مكافأة أو مقابل مادي، والعمل التطوعي هو أساس نهوض المجتمعات المتحضرة، ويكشف مدى ولاء أفراد المجتمع لبلدهم الذين يعتبرون أن ما يقومون به من أعمال تطوعية هو تسديد دين لبلدهم مقابل ما وفرت لهم من وسائل العيش الكريم، وصرفت عليهم من مبالغ طائلة لتعليمهم، ورعايتهم صحيا، وإيجاد جميع الخدمات التي توفر الأمن والأمان.
والعمل التطوعي يعتبر سمة من سمات أهل الكويت منذ القدم توارثتها الأجيال، ويعتبر قيادات العمل التطوعي هم الوقود الذي يحرك ويحفز المتطوعين على العمل بجدية وإخلاص، فإذا كان القائد مثاليا تجده يرفع معنويات المتطوعين ويحثهم على المزيد من العمل بإخلاص، ويعطيهم من خبراته دروسا وأمثلة على كيفية تخطى الصعاب وعدم اليأس، ويقنعهم بأن يقدموا هذا العمل خالصا لوجه الله والوطن دون ترقب أي مقابل مادي في نهاية مهمتهم.
وعندما ألمت بنا مع مطلع هذا العام أزمة كورونا والتي أحدثت فوضى غير مسبوقة لم يحسب لها أي حساب حتى في الدول العظمى، تعطلت الحياة عندنا كسائر دول العالم، وأعلنت حالة الطوارئ في كل مرافق الدولة، وتصاعدت أرقام المصابين والمتوفين وانتشر الرعب والخوف من العدوى بين المواطنين والمقيمين، وتم الحجر على المناطق التي يسكنها السواد الأعظم من العمالة المشغلة لمعظم مرافق الدولة الحيوية، مثل وزارة الصحة بجميع مرافقها والجمعيات التعاونية والشركات المنتجة للمواد الضرورية.
ودون أي إعلانات تجارية تسابق أهل الكويت كعادتهم في الأزمات وطبقوا مقولة «لا حجت حجايجها ما للصلايب إلا أهلها»، وتسارعوا للتطوع في كل المجالات، وجسدوا الروح الوطنية العالية التي يتحلى بها أهل الكويت والتي جبلوا عليها منذ القدم، وشاهدنا مظاهر تثلج الصدر حين تجمع الشباب والشابات كخلية نحل يعملون بنشاط ودون كلل أوملل لخدمة أبناء وطنهم والمقيمين على أرضها الطيبة من جاليات عربية وأجنبية، شاهدناهم في المستشفيات والجمعيات التعاونية والتطوعية التي تقدم الوجبات للمقيمين في المناطق المحجورة، وأثبتوا كفاءتهم بشهادة القاصي والداني وعلى رأسهم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه، عندما شكرهم سموه على ما يقومون به من جهود مخلصة وعمل دؤوب.
وكثر الكلام عندما أعلنت الحكومة مشكورة عن خطة تكريم العاملين في الصفوف الأمامية والمساندة لمواجهة فيروس كورنا، وقسمتها إلى ثلاث فئات، ولا يختلف اثنان على أحقية هذه الفئات في التكريم، وأعتقد أن المشكلة تكمن في تحديد المستفيدين في كل فئة، وحتى لا يظلم المستحقون فالحكومة ستحتاج إلى جراح استشاري لفصل العاملين والمشمولين في كل فئة.
وما لفت انتباهي، تصريح بعض القياديين في المجال التطوعي في بداية الأزمة حيث قالوا بأنهم مستمرون في تقديم المزيد من التضحيات، ولن يتراجعوا مهما كان الثمن فداء للوطن وللأمير، وعندما أعلنت الحكومة عن بيان خطة التكريم نسفوا كل ما قالوه، وادعوا أن هذا البيان كان عليهم كوقع الصاعقة، وقالوا لقد حبست الأنفاس بانتظار كلمة شكر واحدة، أو لفتة طيبة لهم، فلم يكتفوا بشكر صاحب السمو لهم ولا مجلس الوزراء لهم، وكانوا يريدون التكريم المادي الذي لم يطلهم، فهل هذا هو مفهوم العمل التطوعي عندكم؟ هل تدركون ما هو تأثير تصريحاتكم هذه على الشباب والشابات الذين تطوعوا لخدمة أهل الكويت؟ وكأن لسان حالكم يقول لهم لا تتطوعوا دون أن يكون لكم مقابل مادي تستفيدون منه، مثل هذه القيادات للأسف الشديد هي التي تقتل ولا تشجع ولا ترتقي بمفهوم العمل التطوعي.
[email protected]