كشفت أزمة كورونا عن مشاكل كبيرة واجهتها جميع دول العالم وعلى رأسها الدول العظمى والدول الصناعية الكبرى، وظهر واضحا للعيان عدم جاهزيتها وعجزها عن إدارة الأزمات ومواجهة المخاطر، وعانت شعوب هذه الدول من الكثير بسبب عدم مقدرة حكوماتهم على التحكم بالوباء، وخسروا الملايين من الأرواح نتيجة لذلك، ونحن في الكويت لسنا بمنأى عن العالم، فقد أماطت أزمة كورونا اللثام عن العديد من المشاكل الكامنة والتي كانت تتغلغل وتنخر في المجتمع الكويتي منذ زمن طويل، ولكن الحكومة لم تعطها القدر الكافي من الأهمية لكنها طفت على السطح مع حلول أزمة كورونا، ومن أبرز هذه المشاكل هي مشكلة التركيبة السكانية، وأصبحت هذه المشكلة هي حديث الساعة، وتحت الضغط الشعبي أبدت الحكومة رغبتها في حل هذه المشكلة، وتمثل ذلك في تصريح سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، عن أن التحدي القادم للكويت يتمثل في عكس التركيبة السكانية، لتكون 70% للكويتيين و30% للوافدين.
واستوقفني هذا التصريح وما صاحبه من موجة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تنادي بترحيل الوافدين وتعديل التركيبة السكانية، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلا نستطيع أن نعدل التركيبة السكانية ونحقق هذه النسبة؟ مع العلم بأننا نعيش في دول نامية حديثة العهد تحت مظلة دول العالم الثالث، طموحاتنا كبيرة ومشاريع التنمية والبنية التحتية تزدهر وتنمو، مما يشير إلى أننا بحاجة ماسة للأيدي العاملة الأجنبية، والمعضلة الكبرى التي نواجهها هي قلة عدد المواطنين والأيدي العاملة اللازمة لتحقيق هذه الطموحات، إن نسبة 30% من العمالة الوافدة لن تكون كافية لسد حاجة السوق الكويتي، فإذا كان عدد الكويتيين مليونا ونصف المليون تقريبا ونسبة 30% من العمالة الوافدة ستشكل(600 ألف وافد تقريبا) سيصبح إجمالي مجموع عدد سكان الكويت في حينها مليونين ومائة ألف تقريبا، وهذا يعني أن أكثر من نصف عدد سكان الكويت الحالي يجب أن يغادروا الكويت، وهذا شبه مستحيل لأن عدد العمالة المنزلية فقط يبلغ 800 ألف عامل، من سيحل مكان عمال النظافة والمناولة؟ من سيسد النقص العمالي في المشاريع الإنشائية الحكومية والخاصة؟ من سيعوض النقص الكبير في العمالة المتدنية والكادر الطبي والتمريضي؟ من سيعوض النقص في النظام التعليمي والكوادر التابعة له؟ ومن سيسكن العمارات في حولي والنقرة وخيطان والفروانية والسالمية والمهبولة والجليب وغيرها الكثير؟
في اعتقادي الشخصي أن مشكلة الكويت لا تكمن في زيادة عدد العمالة الوافدة على عدد المواطنين بقدر ما تشكله كثرة العمالة السائبة من حمل فائض عن الحاجة وخطير على المجتمع الكويتي، ويجب تشديد العقوبة على من يقف وراءهم من شلة فاسقة منعدمة الضمير سلبوا مقدراتهم وجلبوهم لنا، ورموهم في الشوارع لتهديد أمن واستقرار مجتمعنا المسالم، وعملية إعادة التركيبة السكانية ستأخذ وقتا طويلا جدا وعلى مراحل، وستكون نتائجها بطيئة جدا وأكثر مما تصورته الحكومة، ويجب عليها البدء بالجهات التابعة لها والتي تكون بمتناول اليد، فمثلا يجب أن تفرض على الجهاز المركزي للمناقصات المزيد من التدقيق في العمالة المطلوبة في المناقصات والمشاريع الحكومية، والتي في أغلب الأحيان تكون فيها مبالغة في أعداد العمالة المطلوبة لتنفيع أطراف معينة، كذلك على الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للقوى العاملة أن تقوم بإعادة النظر وغربلة تقدير الاحتياج للعمالة المسجلة على الشركات وكثير منها ورقية ووهمية، ثم التدقيق على بعض الرخص الزراعية والمزارع والمسجل عليها أعداد غير منطقية من العمالة.
الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي ستعاني من مشكلة التركيبة السكانية لعقود كثيرة قادمة مادام معدل النمو السكاني بطيئا وقليلا والتطور مستمر في هذه البلدان، وللحديث بقية.
[email protected]