بعد الخسائر الأخيرة لقوات «الجيش الوطني الليبي» تحت قيادة المشير المتقاعد خليفة حفتر من قاعدة الوطية إلى مدينة ترهونة إلى مطار طرابلس، والتي أصبح بعدها الغرب الليبي خاضعا بأكمله لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، والتي انفتحت شهيتها لاستمرار التقدم عسكريا واستثمار الفوز للسيطرة على الشرق.
وأقلقت هذه الهزائم حلفاء حفتر في المنطقة العربية وأوروبا وأصابتها بخيبة أمل كبيرة، اثر الخسائر المتلاحقة التي منيت بها قواته حيث فشلت في دخول طرابلس، بل وخسرت الكثير من الأراضي رغم كل الوعود بالنصر التي اطلقها حفتر على مدار الفترة الماضية، وتصاعدت بعدها الدعوات التي تطالب حكومة الوفاق بالعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن تغيرت موازين القوى على الأرض في ليبيا في أعقاب التدخل التركي لصالح السراج، فيما أصدرت مصر «إعلان القاهرة للتفاوض» ما اعتبره البعض محاولة لوقف نزيف خسائر الأراضي من بين يدي حفتر، وتصاعدت الدعوات لمصر من داخل ليبيا بالتدخل عسكريا على غرار الموقف التركي مع حكومة الوفاق وذلك لوقف هزائم معسكر حفتر، والتي على ضوئها وافق مجلس النواب المصري بالإجماع في جلسة سرية على منح تفويض الرئيس السيسي بإرسال قوات إلى الجبهة الغربية لمكافحة «العناصر الإرهابية الأجنبية»، ما يفسح المجال أمام عمل عسكري مصري محتمل في ليبيا.
ولا يخفى على أحد خطورة وتزايد أطماع النظام التركي بالتوسع في الوطن العربي ويتمثل ذلك بالتحرك التركي في ليبيا الطامع لاحتلال الثروة النفطية هناك، والذي أثار قلق ومخاوف الرئيس المصري وحلفائه واعتبره تهديدا لأمن مصر، والسؤال الذي يطرح نفسه هل من مصلحة مصر التدخل بقواتها المسلحة في مثل هذا الوقت؟ لا يشك أحد في قوة ومقدرة الجيش المصري على حماية مصر والدفاع عنها، وما قام به الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 خير شاهد على ذلك، فالجيش المصري يعتبر تاسع أقوى قوة عسكرية في العالم حسب آخر تصنيف لمؤسسة Global Firepower Ranking لعام 2020، (بينما يحتل الجيش التركي المركز الحادي عشر على مستوى العالم).
إن قرار دخول الحرب سهل، لكن قرار الخروج منها سيكون صعبا ومكلفا جدا على المستوى العسكري والاقتصادي، والخبراء العسكريون المصريين يدركون مدى تكلفه مغامرة الدخول حرب بالوكالة في المستنقع الليبي في مثل هذه الظروف العسيرة، فمصر وحلفاؤها يمرون بظروف اقتصادية صعبة بعد ما عاناه اقتصاد العالم من انهيار بسبب جائحة كورونا، فهل ستضمن مصر استمرار تمويل حلفائها المكلف جدا ماديا بعد دخولها الحرب؟ أم ستترك وحدها في المستنقع؟ حلفاء مصر العرب لا يستطيعون دعم مصر بالرجال والدعم سيكون ماديا فقط، وهو مكلف وغير مضمون استمراره، ولا يستطيعون تغطيتها سياسيا لأن قرار التدخل كان فرديا وليس له غطاء دولي شرعي، أما الدول العظمى فستقف موقف المتفرج ولن تتدخل إلا في حدود ما يخدم مصالحها.
وهناك قاعدة معروفة تقول بأن الجندي في ميدان المعركة يكون أكثر حماسا واستبسالا ولا يخاف العدو، بل تجده يطلب الاستشهاد عندما يقاتل دفاعا عن أرضه وبلده، ولكن هذه الروح القتالية تضعف بدرجة كبيرة عندما يقاتل بالوكالة على أرض ليست بأرضه، وخير مثال للمصريين ما حدث للجيش المصري عام 1962 عندما أرسلهم الرئيس الراحل عبدالناصر للقتال بالوكالة في اليمن لمدة 5 سنوات.
هذا خلاف ما قد تخسره مصر من أرواح في صفوف جنودها المقاتلين بدفاعهم عن الجبهة الليبية، والتي كان الأولى توجيههم بدلا من ذلك للدفاع عن سيناء للقتال ضد الإرهابيين هناك، يجب على مصر ألا تنقاد للحرب وعليها أن تفتح باب الحوار الديبلوماسي وبأطول نفس ممكن بإشراف وضغط دولي.
وأخيرا دخول الحرب سيضعف موقف مصر أمام التعنت الاثيوبي في المفاوضات للحصول على حقوقها في حصتها المائية بعد ملء سد النهضة وسيستغل الجانب الاثيوبي تلك اللحظة لصالحه لتحقيق مآربه الخبيثة.
[email protected]