في الأدب العربي القديم حرص العلماء على تحديد المصطلح الأدبي ومن قبله الشرعي بصورة دقيقة حتى لا يقع اللبس في الفهم، وسهل الأمر وجود علم المنطق في نهاية العصر العباسي الأول، الذي كان يستخدم لتحديد كل مصطلح ووضع تعريف جامع مانع ليبين ماهية كل مصطلح، لكن اليوم مع الأسف بتأثرنا الكبير بالأدب الغربي أصبحنا نستعير مصطلحات من دون أن نحدد لها تعريفا واضحا، ولعل الأمر يعود إلى أكثر من سبب أبرزها كثرة استيرادنا للمصطلحات الأدبية، والمسارعة لجلب كل جديد دون النظر هل يناسب أدبنا أم لا؟ لعل أكبر مثال لهذا الأمر مصطلح «قصيدة النثر»، هذا المصطلح المحير في تحديد ماهيته، فهذا المصطلح أدخله أدونيس من خلال مجلة شعر اللبنانية إلى العالم العربي بعد ترجمة مقالة الفرنسية سوزان برنار في سبعينيات القرن الماضي.
لقد كان أدونيس صاحب هذه الترجمة يعلم أن في العربية جنسين أدبيين كبيرين لا يتداخلان ولا يتقاطعان، وهما النثر والشعر، وتحت كل واحد منهما فنون وخصائص، لذلك عندما مزجهم أدونيس بتلك الطريقة ضرب علم المنطق بعرض الحائط، فأصبح المصطلح لا يدل على شيء بعينه، فكل كلام يمكن أن يكون قصيدة، وكل قصيدة يمكن أن تكون نثرا، لكن شدة التأثر بالغرب والجري وراء التجديد لأجل التجديد دفع للوقوع في هذه المغالطات، كما وافق النظرة التجديدية عند أدونيس هواء زملائه يوسف الخال والماغوط وغيرهم، ولعل الأمر يعود إلى رغبتهم في تسهيل الشعر ليكون متاحا متناولا يتماشى مع الدفقة الشعورية لديهم، هذه الدفقة التي حملوها كل ما يريدون من غموض ودهشة اعتمد عليها رواد هذا اللون.
مشكلتي ليست مع القصيدة الحديثة، من حيث ما فيها وكيفية كتابتها. مشكلتي الآن مع التسمية وما حملتنا هذه التسمية من تبعات مازلنا ندفع في الأدب ثمنها، ومن أبرز هذه التبعات مشكلة انقراض الخاطرة، التي أصبحت منسية مع بروز لون جديد مشابه لها بالذائقة الفنية، حيث إن الخاطرة تعتمد كلماتها على المشاعر، ففي طياتها غموض، فيكون تأويلها متباينا وليس ثابتا يعود إلى خلفية القارئ الثقافية والاجتماعية والعاطفية، ولعلنا بنظرة خاطفة على الأدب الغربي لا نجد لديهم ما يعادل الخاطرة إلا هذا النوع من الشعر، لقد ساهمت قصيدة النثر بإدخال كل خاطر إلى زمرة الشعراء، كما أننا نرى ومع مرور خمسين عام على وجود قصيدة النثر لا يوجد قالب واضح لاحتوائها وضبطها، وكيف ستضبط وتوضع لها المعايير وهناك مشكلة في تسميتها المبهمة؟!
هذه تساؤلات مهمة لأحد المصطلحات الشائعة اليوم في العالم الأدبي العربي، وهناك الكثير من المصطلحات التي لم تحدد إلى اليوم، حتى في كتاب الأستاذ إبراهيم فتحي «معجم المصطلحات الأدبية»، الذي يعد مرجعا للمصطلحات الغربية.
ولا يقف الأمر عند قصيدة النثر، فهناك العديد من المصطلحات مثل التناص، فهو دون التضمين وفوق الاقتباس، إننا حقا بحاجة اليوم إلى السادة العلماء في اللغة والأدب لحل مشكلة المصطلحات المترجمة، لتأكد أولا من صحة ترجمتها، ولوضع تعريف جامع مانع لها، لتوضيحها لنا وكشف ماهيتها بوضوح حتى لا نقع في اللبس.
Twiteer:A_Albarak