إن الاعتماد على التشويق في كتابة الرواية بطريقة «الفلاش باك» أمر لا يوضح إبداع الكاتب، والكتاب الشباب يعتمدون عليها بطريقة مكثفة حتى أصبحت مملة، وهذا الأمر يجعلنا في حيرة من قدرتهم على الكتابة والإبداع.
الأمر هذا يتضح في رواية «كبرت ونسيت أن أنسى» لبثينة العيسى المنشورة عام 2013، الرواية قطعة من المشاعر المختلطة تدور حول فاطمة البطلة وحياتها الشاقة.
بتقنية الفلاش باك وكلمات مصنوعة برقة، تذهب لتسرد فاطمة حكايتها منذ وفاة والديها ودخولها في سرداب أخيها المترصد لها صقر، الذي كان اسمه متناسقا مع فعله في صورة سيميائية اعتمدت عليها الكاتبة في اختيار الأسماء، كما كان صقر المعادل الموضوعي للمجتمع والدين والعادات والتقاليد التي رفضتها الكاتبة فمثلتها فيه، حتى ولوجها إلى الجامعة فالشعر ثم الحب، إلى الحبكة التي تمثلت في ضرب أخيها صقر لها والسجن في غياهب القبو، حتى أفضى بها الحال للاكتئاب والزواج الفاشل من فارس الذي لم يكن فارسا لها، فهي تريد عصام الذي عصمها بحبه من الانهيار واليأس، حتى تنتهي القصة بانتصار فاطمة على كل شيء وانتشال روحها من حطام اليأس ومواجهتها صقرا، الذي أصبح سقيما هزيلا أنهكه المرض، لتبين أن الدين والعادات لن تصمد أمام رياح التحرر، ليذهب بصره ويصبح أعورا، وهنا رمزية عن ذهاب البصيرة من رجال الدين الذين لم يخوضوا أمواج التطور والانفتاح، فمهما قيد الدين الفتاة ستنتصر بالنهاية، لتنطلق وتثور فاطمة على كل شيء وتنتهي الرواية بجلوسها مع حبها القديم عصام.
إن التكلف والإفراط في الأدب يعاب، حتى عاب ابن جني الإفراط عند المتنبي في قوله: «تتقاصر الأفهام عن إدراكه.. مثل الذي الأفلاك فيه والدنا»، هذا الإفراط كان في الرواية متأججا في عدة مواضع منها أن معلمة تضرب طالبة في حصة التربية الإسلامية لأنها نسيت ارتداء الحجاب!!، وذلك لتشويه صورة أي متدينة أو ما هو ديني بشكل فج غير منطقي، كما أن الكاتبة لم ترسم صورة لصقر واضحة فحملته كل رجال الدين مثقفهم وجاهلهم، فاستعصى علينا رسم صورة مشابهة له في المجتمع، هذا الأمر جعلنا بدلا من انتقاده وكرهه - هدف الكاتبة - نتحول لا إراديا إلى التعاطف معه لشدة الهجوم عليه.
ختام الرواية كان سريعا علينا وعلى البطلة ففي أقل من عشرة أيام من هربها تذهب لصقر وتواجهه بقوة، وتجادل فارس بحدة وتفعل أشياء انتظرنا طوال الرواية فعلها، كأننا أمام مسلسل خليجي سمج أحداث معلقة إلى آخر حلقة، كما تسلل الملل عند القارئ للرواية في أكثر من موقف ففي حوارات البريد الإلكتروني بين فاطمة وعصام أصابنا ملل المسلسلات التركية، وفي وصف حالتها بعد ضرب صقر لها أصابنا ملل حالات اكتئاب المسلسلات الخليجية، هذا موجز لما كان في «كبرت ونسيت أن أنسى»، بالمجمل الرواية من حيث اللغة هي رواية رائعة بل متفردة عما هو في المكتبات، فشكرا بثينة على اللغة الراقية، ونعتب عليك التكلف والختام السريع الهش.