إن الآداب والفنون في معتقدات الشعوب الحية والواعية تمثل اتجاها وتصورا ورؤية وخارطة طريق ونبضا صادقا، لكن كيف يكون هذا في عالمنا العربي اليوم والأدباء يعيشون في صوامع العزلة!
إن الأدب مرآة الثقافة فما ينتجه أدباؤنا من ثقافة سيبقى أثرا طوال الدهر، إن كان المتلمس للحقيقة بعد قرون يقرأ أدبنا اليوم سيعرف أن الأدب منعزل عن الثقافة المجتمعية ولا يعكسها، فالأدباء يجلسون في برجهم المسور بممنوع الاقتراب، وعلى بابه لا مساس.
تلك المشكلة ليست حديثة أو جديدة على البشرية، فنرى في أوروبا العصور الوسطى مثالا لما كان عليه المثقفون، حين كانت أعمالهم تتحدث عن الأساطير والحب وكل ما هو بعيد عن ذاك الفلاح البسيط في مراعي سويسرا، أو العامل الكادح في أسواق روما، حتى تحولت تلك الآداب والفنون إلى نابض حقيقي للشارع، فجعلها الأدباء من أمثال جون لوك والفرنسي جان جاك روسو تعكس الشارع وتنقل نبضه، فعرضوا الأفكار والقيم والتصورات القريبة منه حتى قادوا حركات التغيير فصيروها من عصور الظلام إلى عصر النهضة.
إننا في عالمنا العربي بحاجة إلى إنزال المثقفين من أبراجهم العاجية، ليكونوا نبضا للشارع وناقلا حيا له، فلو كانت الحركات التحررية والتقدمية - الحقيقية - في المجتمع دون ردف من الأدباء لن تكون حركات كاملة النضج، فتطور المجتمع عملية متكاملة، يشترك بها الجميع، فما بال الأدباء لا يشاركون الشعوب تصوراتهم؟ ولا ينظرون إلى الواقع! حتى إننا نرى نقاشاتهم وكتاباتهم بعيدة كل البعد عن أرضنا، تصافح سماء غير سمائنا، فتهافتت كتاباتهم بين تفاهة وسائل التواصل وسماجة الإعلام الموجه، فلم يعد لها جدوى أو أثر.
ماذا يستفيد اليوم الشارع الثقافي والأدبي من كتابات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتراشق الأدباء بين بعضهم البعض بلغة ومواضيع بعيدة عن الجو العام الثقافي، فهم يغردون خارج السرب الأدبي، ويأتي واحدهم بالغريب للغرابة، والصعب للصعوبة، حتى إن بعض المثقفين يأنف أن يقرأ له العامة، فهو يكتب لقراء معينين وفئة خاصة جدا، ومتى ما كان الأدب نخبوي تقلص منتسبوه وتلاشى تأثيره.
إنها دعوة صادقة لكل من يشار إليه بالأدب والعلم والثقافة أن يتواصل مع الشارع، ويحاول أن يرتقي به، ويكتفي من لعن الظلام، ويبتعد عن التنظير البيزنطي، وطرح القضايا السفسطائية، وضرب المعتقدات البسيطة عند البسطاء، بغرض ضرب المعتقدات لا لتغير يصب بالصالح العام للمجتمع، ويفكر حقا أن له دورا مهما في المجتمع، ولا يرضى بأن يكون معولا معطلا متوقفا بإرادته عن تغير المجتمع والمساهمة في نهضة الأمة.