حديث الساعة هذه الأيام هو احتمال اصدار الحكومة مراسيم ضرورة بتعديل الدوائر ونظام التصويت بعد صدور مرسوم حل مجلس 2009 سيئ الذكر، ولعل الخطيئة الكبرى في صدور مثل هذه المراسيم هي مخالفتها صريح الدستور، حيث نصت المادة 71 من الدستور الكويتي على الآتي:
«إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الامة أو في فترة حله ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز للأمير أن يصدر مراسيم تكون لها قوة القانون..».
إذن، المادة الدستورية صريحة في أن مراسيم الضرورة لها شرطان يجب تحققهما حتى تكون موافقة لصريح الدستور.
٭ الشرط الأول: شرط الزمن وهو أن تصدر في فترة حل المجلس أو فيما بين أدوار الانعقاد.
٭ الشرط الثاني: ظروف الإصدار: وهو وجوب وجود ضرورة ملحة تفضي الى اتخاذ تدابير مستعجلة.
كذلك نصت المادة الدستورية على كلمة «إذا حدث» أي وجوب وجود حدث استثنائي طارئ لاصدار مثل هذه المراسيم.
ولا أعتقد أنه يوجد من يقول ان هناك حدثا طارئا حصل هذه الايام حتى تذهب الحكومة لاصدار مراسيم ضرورة في تعديل الدوائر أو نظام التصويت، مما يعني أن أي مراسيم تصدر بهذا الخصوص هي مخالفة بشكل صريح وواضح لنص المادة 71 من الدستور، فكيف لنا أن نقبل ونرضى بمثل هذا التجاوز السافر على الدستور والنظام لمجرد أن السلطة تريد من ذلك تقوية مجموعات سياسية معينة عجزت عن أن تكسب ثقة الشعب بالطرق الطبيعية، فلجأت للتحالف مع السلطة والقفز على الدستور لتحقيق مآربها في السيطرة على مخرجات الانتخابات، وبالتالي السيطرة على مجلس الأمة بطرق ملتوية وغير مشروعة، كل ذلك في سبيل ضرب الأغلبية النيابية التي جاءت بإرادة شعبية حرة في انتخابات 2/2/2012؟!
إن من أهم شروط وضوابط نظرية الضرورة بإجماع فقهاء الفقه والقانون هو أن يكون الخطر جسيما وحالا، وانه يستحيل مواجهة هذا الخطر بالطرق العادية، فهل هذه المراسيم تنطبق عليها هذه الشروط المجمع عليها؟!
لقد وضع الدستور الكويتي ضوابط لمراسيم الضرورة، كذلك جعلها تحت رقابة البرلمان، فقد نصت المادة 71 على الآتي:
«ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها اذا كان المجلس قائما وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زالت بأثر رجعي، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زالت بأثر رجعي».
ولنا أن نتساءل: أليس اصدار مراسيم ضرورة بتعديل الدوائر ونظام التصويت فيه غل ليد المجلس عن استخدام حقه الدستوري في الرقابة على مراسيم الضرورة، إذ كيف سينظر المجلس في قانون هو سبب وجوده؟! فهل يعقل أن يرفض المجلس مرسوم الدوائر، مما يعني أن هذا المجلس باطل ولا وجود له؟! وهذا لا يعقل ولا يقره منطق أو عقل، مما يعني بالضرورة أن المجلس لا يمكنه من ناحية عملية ومنطقية الرقابة على هذه المراسيم، وهو ما يخالف صريح الدستور.
كذلك نصت المادة 71 من الدستور على «أن المراسيم لا يجوز أن تخالف الدستور أو تقديرات الميزانية الواردة في قانون الميزانية» ولو تأملنا في هذا النص في فقرته الثانية فيما يتعلق بالميزانية، لوجدنا أن الدستور منع مراسيم الضرورة أن تتجاوز قانون الميزانية، لماذا؟ لأن قانون الميزانية حق أصيل لمجلس الأمة ولا يجوز للسلطة التنفيذية في أي حال من الأحوال تجاوزه، فمن باب أولى أن يكون قانون الانتخابات هو أيضا حقا أصيلا للبرلمان الذي يحدد الآلية والكيفية التي يتشكل منها دون تدخل مباشر من السلطة التنفيذية.
ولعل من المضحك إعلان البعض أنهم سيقومون بتقديم طعون على قانون الدوائر الخمس الذي جاء بإرادة شعبية وبعد حراك شعبي كبير بحجة عدم دستوريته، فأين هؤلاء من هذا القانون منذ صدوره قبل ست سنوات، بل إن أحدهم أصبح نائبا في مجلس الأمة عن طريق هذا القانون، واليوم يدعي أنه غير دستوري ويريد الطعن عليه؟!
خلاصة القول:
إن صدور أي مراسيم ضرورة بتعديل الدوائر أو نظام التصويت هو خطيئة كبرى ومخالفة دستورية جسيمة وصريحة وخطيرة ولو سلمنا بها الآن فسيفتح باب للسلطة للتحكم في مخرجات مجلس الأمة كلما حلا لها ذلك، فأي مجلس لا يتوافق معها تقوم بحله واصدار مراسيم ضرورة بالتعديل حتى تكون المخرجات على هوى السلطة، وحينها لا يستطيع أحد أن يعترض، لأننا قبلنا في المرة الاولى العبث بالدستور وإرادة الأمة، وبعدها ستتحقق فينا المقولة الشهيرة «أكلنا يوم أكل الثور الأبيض».
[email protected]