عندما كنت في الولايات المتحدة الأميركية في أريزونا عام 1966، كنت آنذاك مهتما بمرض السكر وكيف أن هذا المرض قد أخذ يتفشى بين الكويتيين بصورة كبيرة. وكان أحد أسبابه الرئيسية زيادة الوزن وترهل أجساد الكويتيين.
وبالصدفة تعرفت على عائلة من الهنود الحمر يعانون من نفس المرض، وقررت أن أتواصل معهم وأعيش بينهم لمدة أسبوع في بيوتهم المشابهة للعشيش، ولكنها كانت مبنية بطريقة تسمى السندويش لأن جدران الكوخ مكونة من خشبتين وبينهم طين.
والسقف كما تعرفون نوع من أنواع الحصير، وكانت حياتهم اليومية روتينية جدا، يستيقظون صباحا وبعد أكل وجبة ثقيلة في الصباح يذهبون إلى البارات أو يقضون وقتهم بين الغابات يمارسون التحطيب وصيد الحيوانات، وكانوا في المساء يعودون إلى عششهم ويقضون الليل في التدخين والسوالف في الدواوين يتناولون الخمر بدلا من الشاي واللبن.
ففضولي جعلني أسأل كيف يعيشون؟ فقالوا لي نحن نعيش من تأجير أراضينا المخصصة لنا حسب الاتفاقيات المبرمة مع الحكومة الفيدرالية ونعيش على هذه الأجور.
وكانت الأرض التي يؤجرونها على الأميركي من غير الهنود الحمر تهتم بزراعة أنواع من الغلال والفواكه يكسب منها الأميركي عشرات الآلاف من الدولارات يعطي منها مالا قليلا مقابل الإيجار للهندي الأحمر. وهنا خطر إلى ذهني فورا تصرفات كثير من الكويتيين والكويتيات الذين كانوا يحصلون على رخص تجارية ثم يؤجرونها على الأجانب مقابل مبلغ زهيد من المال كما نعرف جميعنا.
فيستغني الأجنبي ويظل الكويتي على حاله يعيش على قدر الأجر الذي يحصل عليه من الأجنبي، ولا يتعدى ذلك دنانير بسيطة يعيش مع أسرته عليها، بجانب الخدمات الحكومية المجانية التي يحصل عليها ويعتاش منها دون مقابل مثل الخدمات الصحية والتعليمية وإعانة الشؤون وغيرها.
أي أن الإنسان الكويتي لا يحتاج إلى أن يجهد نفسه ويعمل ويكتفي بالعيش من هذا الدخل البسيط ليزداد وزنه ويرتفع ضغطه ومن ثم يصاب بمرض السكر وبالتالي يحتاج إلى العلاج على حساب الدولة، حتى وصلت نسبة السكر بين الكويتيين إلى 30% تقريبا. فقررت أن آخذ نماذج من الدم من الهنود الحمر أقارنه بعينة من دم بعض الكويتيين، وكانت النتائج مطابقة لنماذج الهنود الحمر الذين خضعوا للكشف.
وبطبيعة الحال نعلم ما هي تكلفة علاج المصاب بمرض السكر، والحرص على مصير هذه الفئة المصابة بمرض السكر مقارنة بالناس العاديين مكلفة جدا للدولة.
وبالتالي فإنه بالاستمرار على هذا الوضع في الكويت سيصبح الجميع عالة على الدولة، والآن مع تهديد انخفاض الدخل بسبب انخفاض النفط وما نسمعه هذه الأيام من إشاعات عن الضرائب التي ستفرض على الناس، وما نسمعه من طلب شد الحزام، كل هذه تصرفات وتهديدات لمستقبل الكويتيين.
فهل يا ترى نفكر بما آلت إليه الكويت اليوم وخاصة أهل السور الذين بذلوا الجهد والمشاركة مع الحكومة في بناء الكويت التي نراها اليوم مع أن أغلبهم كانوا من الطبقة الفقيرة وأصبح أغلبهم يعانون ويعيشون في قلق دائم، وحتى الأبناء والأحفاد ينظرون إلى آبائهم وأجدادهم بحسرة كيف وصل بنا الأمر إلى هذا الوضع.
وأصبح الشغل الشاغل للدولة كيف تشجع الكويتيين على العمل المفيد والمنتج بدلا من الاعتماد على ما يحصل عليه من مدخول لن يتعبوا في إنتاجه بل يعتمدون على ما يحصلون عليه من الحكومة من رواتب ومساعدات وتسهيلات حتى جميع الأمور الحياتية دون أن نطلب منهم المشاركة في الإنتاج والدخل العام.
لقد فات الأوان، وعودنا الكويتيين على الكسل حتى أنهم أخذوا يؤجرون بيوتهم الحكومية على الآخرين والتضييق على انفسهم في هذه البيوت لعلهم يعيشون حياة أكثر سعادة تتطابق مع تطلعاتهم وطموحاتهم وأحلامهم كالعيش في الدول المتقدمة والمنتجة والعاملة لأنه من دون الإنتاج والعمل والمساهمة في زيادة وتنويع الدخل القومي والاعتماد على حكوماتنا في جميع مجالات الحياة لن يحقق طموحاتهم.
وبهذه المناسبة فإنني أتساءل؟ من يا ترى مسؤول عما آل إليه الكويتيون منذ الستينيات؟ هل هو الشعب الكويتي نفسه؟ أم أن هناك أيادي خفية تلعب في الخفاء وتشجع هذا النمط السهل من الحياة حفاظا على مصالحها بدلا من الجد والاجتهاد لكسب الحياة.
لا يا إخوان، الموقف خطير، وإذا أهملنا وتكاسلنا، فمصيرنا لن يختلف عن مصير الهنود الحمر الذين يعيشون الآن في محميات حددت لهم.
وأنا من جهتي أترك الأمر للكويتيين والحكومة لإيجاد مخرج مشرف للكويتيين يساهم في بناء الكويت ونهضتها، فالحياة سريعة جدا ولا تنتظر المقصرين في بناء بلدهم.