حامد.. صديق طفولتي وأخي في الدنيا، أصدر اخيرا كتابا توثيقيا شيقا عن حياة جده العم المرحوم مرشد بن طوالة الشمري، بعد ان قضى جهودا مضنية في البحث والتوثيق والمتابعة وتدقيق المعلومات عن الرجل الذي خاض أول مهمة فدائية في معارك تاريخ الكويت!
العم مرشد.. هو أحد أهم الشخصيات الرابضة في عمق ذاكرتي، والمستلقية على أماكن ذكرياتي الجميلة الباكرة، وكما كنت أشاهده ـ رحمه الله ـ أيام طفولتي.
هو شخص لا يشبه إلا مرشد بن طوالة نفسه، بهيبته وشكله وروعته وكرمه وجوده ونوعيته، لا يجود به الزمان الا قليلا!
كنت أسكن في منطقة «المقوع» المجاورة لمنطقة الاحمدي في طفولتي، وأنا أيضا من مواليدها، كما هو مؤلف الكتاب، وكنا وبقية اصدقاء الطفولة «المملوحين» نقضي جل أوقات اللعب و«التسكع» واصطياد طيور الربيع والبنات «الأملح» في حواريها، وبين حقول نفطها الكثيرة، والتي نرى معالمها واضحة في كل مكان، الى ان كبرنا وأصبحنا شبابا يافعين أكثر «ملوحة»، وباتت «المملوحات» يصطدننا فتفرقت بنا السبل، وقبل أن تصبح حقول النفط، حقولا للألغام في سنة الانفجارات الارهابية الشهيرة، والتي حدثت في اوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لتصبح بعدها منطقة المقوع منطقة محظورة، وهدمت كل بيوت ذكريات الطفولة بجمالها وروعتها والتي عشنا فيها بالسلام والطمأنينة عن بكرة أبيها وأمها، وانّ واخواتها، ولم يتبق لنا فيها شيء الا انجازات سكانها الاوفياء، كالعم مرشد الذي شغل منصب أمير منطقة المقوع وحواليها، والآخرين الذين أثروا وطنهم الجميل بالانجازات المهمة، وهجر سكانها بعملية هجرة قسرية، والتي لم تحدث مثلها في بقية مناطق الكويت الاخرى في تاريخها، ومن يومها لم تطل أقدامي ترابها الطاهر حتى يومنا هذا، ونسيتها تماما، الا حين قرر صديق طفولتي، والذي هو ايضا أصبح أكثر قربا مني وواحدا من الاهل، إصدار كتابه «مرشد بن طوالة الشمري.. والمهمة الفدائية في معركة الجهراء»، وكان لي شرف المساهمة ـ قليلا ـ في الكتاب من النواحي الفنية، وكتابة تعريف الكتاب ومحتوى فكرته وصاحبه، والذي نجح ـ ولله الحمد ـ لما ضمنه المؤلف من معلومات جديدة تستحق الاشادة بها.
الذكريات تصنع التاريخ، والتاريخ يصنع الرجال، والرجال يصنعون انجازاتهم في كتب التاريخ ليتذكرها الجميع.. وحسنا فعلت يا حامد!