عندما أبحرت قافلة «الحرية» بسفنها الى سواحل غزة المحاصرة عدوانا وظلما لكسر هذا الحصار، وقع ذلك الحدث الجلل حيث اقتحم الكوماندوز الاسرائيلي سفينة «مرمرة» وارتكب أفظع مجزرة ضد الناشطين على تلك السفينة والتي راح ضحيتها عدد من الأبرياء أغلبهم من الأتراك وثارت ثائرة الناس في عواصم دول العالم وتحركت جموع منهم محاصرين السفارات والقنصليات الاسرائيلية منددين ومستنكرين هذا العمل اللاإنساني، والكل أجمع على عدوانية اسرائيل وتخطيها الأعراف الإنسانية بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى.
وتحركت أيضا بعض الدول مثل الاكوادور وجنوب أفريقيا ونيكاراغوا وسحبت ممثليها وسفراءها من اسرائيل، كما أجلت فيتنام زيارة كانت مقررة للرئيس «شيمون بيريز» إليها الى أجل غير معلوم.
ناهيك عن تعثر العلاقات التركية مع إسرائيل بعد ما حدث بينهما من تقارب، أسفر عن مقاطعة الحكومة التركية لإسرائيل.
وتحركت جامعة الدول العربية وأصدرت باسم وزراء الخارجية العرب بيانا خجولا عبرت فيه عن استنكارها لما حدث – كما هو العادة – وهذا ما جعل مصر والأردن يتحركان في هذا المجال واستدعت الدولتان السفير الاسرائيلي لدى كل منهما وفتحت مصر بعض المنافذ مع غزة.
وكل هذا حدث وقد توقعت شخصيا أن نقرأ لكتابنا تحليلات واقعية تعكس ما حدث بصورة موضوعية وواقعية.. لكن للأسف الشديد جاءت بعض المقالات شديدة الضبابية وأحيانا شديدة الوضوح في عدائها لفكرة القافلة التي بادرت لكسر طوق الحصار الظالم.
وركزت هذه الأقلام على أهداف هذه القافلة الحقيقية وزعم بعضهم انها مشبوهة وغير معلنة.. وبعضهم أخذ يشكك في نوايا المشاركين في هذه القافلة..
وبعضهم اعتبر هذه الحملة التي تأخذ الطابع الإنساني، لعبة سياسية مكشوفة وراءها أهداف خفية، وان المشاركين فيها مجرد كومبارس في هذه اللعبة أو حطب دامة، وبعضهم أزعجتهم شجاعة بعض النشطاء عندما تصدوا للكوماندوز الاسرائيلي وهم عزل وكانت النتيجة انهم قتلوا بالرصاص بلا شفقة ولا رحمة.. وبعضهم صب جام غضبه على «أردوغان» وعلى الحكومة التركية وشنع على التاريخ التركي العثماني وشرق وغرب.. وأغربهم وأعجبهم ذلك الكاتب الذي أخذ يتباكى على أمن اسرائيل واعتبر اسرائيل في حالة دفاع عن النفس وبرر لها ما فعلته وادعى ان الطوق البحري الذي تفرضه اسرائيل على غزة أو على حماس – على حد قوله – قانوني! واعتبر ان التظاهرات والاحتجاجات ضد اسرائيل التي اندلعت في عواصم دول العالم واحتجاجات جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي كلها لا قيمة لها ولا معنى.. وان الجيش الاسرائيلي يحشد قواته على طول قطاع غزة وجنوب لبنان ليثبت ان أمن اسرائيل فوق كل ما سواه، وتسقط أمامه كل الاعتبارات الأخرى!
وأنا لا أستغرب من مثل هذه الأقلام ان تكتب ما شاء لها ان تكتب من تحليلات تخالف العقل والواقع.. لأنني على يقين بان أصحاب هذه الأقلام يكتبون تحت ضغط نفسي وهوس عقلي شديد باعتبار ان القضية هي إحدى قضايا الإسلاميين باعتقادهم، وباعتبار آخر ان حماس طرف في الموضوع وانها هي المتسببة فيما يجري من محاصرات لغزة وشعبها وان بعض من شاركوا في هذه القافلة من الإسلاميين المحسوبين على الحركة الإسلامية، وان ما حدث نصر للناشطين الإسلاميين المنضمين للقافلة.
علما ان هذه القافلة – وكتابنا يعلمون ذلك – شارك فيها الكثير من الجنسيات الأوروبية والأميركية بما يزيد عن 50 دولة، وان هدفها إنساني بحت بدليل ان المشاركين كانوا من عدة ملل وأديان منهم المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم، وان هذه القافلة ليست المحاولة الأولى لكسر الحصار الاسرائيلي بل سبقتها أربع قوافل في عام 2008م ونجحت تلك القوافل وأرسلت عشرات الناشطين الى غزة ثم منعت اسرائيل آخر قافلة في ديسمبر 2008م وحاولت إغراق إحدى سفنها عندما صدمتها سفينة حربية اسرائيلية فاضطرت الى ان ترسو في ميناء طرابلس – لبنان واستمرت محاولات القافلة عام 2009م وتجدد أيضا اعتقال بعض الناشطين ومصادرة سفينتهم.
فالموضوع لا يعني الإسلاميين فحسب فهم جزء من كل، ولعلهم أقل المشاركين عددا بالنسبة لغير العرب والمسلمين، ومع ذلك يستثير هذا الموضوع حفيظة هؤلاء الكتاب لأنهم ينطلقون من منطلق «اعرف عدوك».