عبدالوهاب الفهيد
إن يُقبر الأبطال في أوطانهم
ففقيدنا وطن فأين سيقبر
هناك اشخاص عاشوا وماتوا ابطالا لهذه الأمة، وعجب الا نحس بهم الا حال موتهم، وقد سطروا اعمالا جليلة، وأرسوا قواعد رزينة، تنم عن ان رحم هذه الامة لم تعدم صناعة الرجال الابطال.
من هؤلاء الرجال في عصرنا هذا المناضل البطل عبدالله بن حسين الاحمر زعيم قبيلة «حاشد» كبرى قبائل اليمن في العصر الحاضر، وسليل ملوك بني الاحمر آخر ملوك حكموا الأندلس.
فقد توفي رحمه الله عن عمر يناهز الـ 74 عاما متأثرا بمرض السرطان، وقد خلف وراءه تاريخا مليئا بالبطولات والمواقف الرجولية والعصامية، وجدير بكل انسان ينتمي لهذه الامة ان يفخر بهذا الرجل الذي استطاع بعزمه وحزمه وقوة ارادته مواجهة حكم الائمة الذين حكموا اليمن وطوقوه بسياج من العزلة حتى تقهقر الى الوراء عدة قرون فأصبح بلدا متخلفا عن ركب الحضارة والثقافة، وكان أشبه بالسجن في بلد مترامي الاطراف.
فانتفض عبدالله الاحمر (رحمه الله) وجمع حوله الفقهاء والعلماء والمجاهدين وباغت الإمام بدر - آخر الائمة الذين حكموا اليمن - واستطاع تحقيق النصر عليه في عام 1962 وفر الإمام بعد ذلك، وبذلك طويت صفحة سوداء في تاريخ اليمن.
كما استطاع ان يؤسس حزب التجمع اليمني للاصلاح عام 1993 حينما رأى ان الحياة السياسية في اليمن منقسمة بين حزبين رئيسيين: المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي.
فقد خشي الفقيد من تنامي نفوذ الاشتراكيين وسيطرتهم على البلاد مرة اخرى وادخالها في ويلات الانقسام والتشرذم مثلما حصل في السابق عندما سيطر الاشتراكيون على المحافظات الجنوبية.
وقد لعب حزب التجمع اليمني دورا مهما للغاية في حرب الانفصاليين في الجنوب بعد تدهور الوضع العسكري للحكومة في صنعاء عام 1994.
ومن المعلوم ان عبدالله الاحمر - رحمه الله - لعب أدورا غاية في الاهمية في داخل اليمن وخارجه، فقد ترأس - بالاضافة الى حزب التجمع - مجلس النواب اليمني منذ نشأته الى ان توفي وهو رئيس له.
كما انه تولى عام 1969 رئاسة المجلس الوطني الذي كلف بصياغة دستور دائم للبلد ثم انتخب في عام 1971 رئيسا لمجلس الشورى.
وقد ساهم في الحفاظ على سلامة السلطة التشريعية في اثناء الازمة السياسية التي عصفت باليمن ووحدته عام 1993 - 1994رغم حالة الفوضى التي عانى منها اليمن قرابة عشرة اشهر.
ومن مواقفه ومساهماته لرأب الصدع والتقارب بين اليمن والمملكة العربية السعودية بعد انقطاع في العلاقات بين البلدين دام سنوات، فقد ترأس وفدا يمنيا رفيع المستوى الى المملكة في يناير عام 1995 لمواجهة التداعيات الخطيرة حول ازمة الحدود اليمنية السعودية من جهة وانقطاع العلاقات بين البلدين بسبب حرب الخليج من جهة اخرى.
ونجح (رحمه الله) في التوصل الى توقيع مذكرة التفاهم على الحدود بينهما وارجاع المياه الى مجاريها، وذلك في 27 رمضان 1415 بين البلدين مما أنعش العلاقات الطيبة بينهما، بعد ان امضى الشيخ قرابة 40 يوما في الرياض يدفع الى التقارب وتحسين العلاقات بين البلدين، فكان خير سفير لبلده، وخير معين لشعبه. كما لا ننسى موقفه البطولي من الاحتلال العراقي للكويت، فقد عارضه بشدة بخلاف موقف الحكومة اليمنية - الموقف الرسمي - بل انه شكل وترأس اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب الكويتي بعد الاحتلال العراقي للكويت.
وفي عام 2000 قام عبدالله الاحمر بزيارة الكويت لتوحيد العلاقات بين البلدين فلا غرابة ان يصرح رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي عشية وفاة الراحل عبدالله الاحمر بمشاركة الكويت أميرا وحكومة وشعبا اليمن وشعبه في مصابهم بوفاة الشيخ الاحمر، ويضيف الخرافي «ان الدور الذي قام به الفقيد والحكمة التي تجلت في موقفه البطولي خلال واقعة الاجتياح العراقي الغاشم للكويت لهما الاثر الكبير في نفوس الكويتيين، والكويت لا تنسى أبدا هذه المواقف فضلا عن حبه وتقديره لها»، رحم الله الشيخ عبدالله الاحمر رحمة واسعة، فيندر ان نجد زعيما أو رئيسا في زماننا مثله في مساعيه الحميدة على مستوى هذه الامة.. فقد عاش ومات للآخرين، ناكرا ذاته لحبه لأمته، ولا غرابة انه كان يردد دائما كلمات والده الشيخ حسين وهو يقول: ان حياة الانسان لا تساوي شيئا اذا عاش لنفسه فقط، لكنها تساوي الكثير اذا عاش لغيره.