عبدالوهاب الفهيد
أخبرني الأستاذ المربي الفاضل عبدالله الرحماني أن حرمه المصون أخبرته بحادثة غريبة في إحدى مراكز دور القرآن الكريم حيث إنها تعمل معلمة لمادة التجويد.
وفحوى الواقعة أن المرأة جاءت لجمع التبرعات المادية لأهل غزة من المحسنين في هذا المركز فوعدوها أن تأتي في يوم آخر ليتسنى لهم أن يتبرعوا بالشيء الكثير فلما جاءت في اليوم التالي، وجمعت منهم التبرعات فوجئت أن إحدى المتبرعات أحضرت (ديكا) للتبرع به حيث إنها لا تملك المال فشكرتها المرأة على نيتها في دعم أهلنا في غزة، ثم ذهبت المرأة الى مركز آخر وطلبت منهم التبرع ثم أخبرتهم أن إحدى الأخوات المتبرعات قد تبرعت بديك تريد ثمنه لأهل غزة فاقترحت إحدى الحاضرات أن يتم إجراء مزاد على الديك، وكان فتح الباب بمئة دينار ثم تزايد عليه السعر حتى وصل بعد دقائق من فتح المزاد إلى ألف ومئتي دينار، ثم زاد حتى وصل في النهاية إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار.
والغرابة في الحادثة لنا أن نتصور أن ديكا قد لا يساوي ثمنه الحقيقي أكثر من دينارين ونصف الدينار، وصل سعره بما ينافس أسعار الحيوانات المهجنة أو النادرة كالماعز الشامي والتيس البربري والذي تقام عليهم المزادات الكثيرة في الكويت وغيرها وتصل إلى مئات الدنانير لندرة هذا الحيوان أو غرابة شكله.
أما هذا الديك فهو عادي وليس نادرا أو غريب الشكل، لكنه حقق ما لم تحققه تلك الحيوانات الغالية الثمن. لماذا؟!
لأن قيمة هذا الديك ليس في ذاته إنما في ما يحمله من معنى، فالمتبرع أجاد بما يملك وهو جهد المقل لكن نيته في هذا التبرع البسيط أنتج عملا عظيما فقد سبق فيه مئات الدنانير، فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) «سبق درهم مئة ألف درهم: رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدّق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مئة ألف فتصدق بها».
وهكذا سبق درهم الفقير مئة ألف درهم التي للغني، لأن الدرهم كان نصف مال الفقير، ومئة ألف درهم كانت شيئا من مال ذلك الغني.
من جهة أخرى نبهت هذه الواقعة على مدى تعاطف الناس وحبهم لدينهم وتفانيهم في ابتغاء مرضاة الله تعالى وتقديمهم الغالي والرخيص في سبيله، وإحساسهم بالمسؤولية الكبرى تجاه إخوانهم في الدين، ومن أوثق عُرى الإيمان أن نحس بآلام ومآسي إخواننا في أي بقعة في هذه المعمورة.
بل أن من الإيمان الذي يتحتم على المسلم أن يتعاطف ويرحم أخاه المسلم، ويتسامح معه ويقف معه صفا واحدا كالبنيان المرصوص، لهذا يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه».