غيوم تحجب الشمس، يوم يفوح برائحة الشتا وصوت المطر يحجب ضوء الشمس، الشتا يدق البيبان يستحضر معه شعورا بالحنين تجاه أشياء عديدة، مواقف وأشخاص، وإحساس دائم برغبة في الرجوع لأيام مضت، فصل مدلل له رائحة في بيوتنا، وذكريات بسيطة عاشتها كل البيوت حاضرة في قلوب من عاش تلك الأيام. الفصول الأربعة والظواهر الطبيعية المرتبطة بها يجتهد الإنسان في التعايش معها ويحاول أن يكيف نفسه ويتأقلم معها قدر الإمكان، تعكس هذه الفصول نفسها على الحياة الاجتماعية وتفرض طقوسا وأجواء محببة في العادة، وتترك في النفس ذكريات جميلة.
الشتا والمطر له مكانة خاصة فهو دائما مصدر للإلهام توالدت معه صور جميلة، وتعددت لتصوغ أهازيج وأغاني رقيقة وشائقة تعكس الفرح بقدومه لتصف بهاءه وجماله.
أعشق الشتا بكل تفاصيله بصباحه البارد، بشمسه الخجولة التي تشع بإشعاعاتها بكل حياء في حضرته بمطره، ببرودته، أحب الشتا لأنه ربيع القلب وموطن الذكريات، وها هو يقترب من أبوابنا يعد حقائبه وثيابه الشتوية ليأتي في موعده.
تمتعت بالمطر من خلف الزجاج وحبات المطر تطرق نافذتي تتساقط على ورق الشجر وحبات الرمل، تتساقط لتعزف على أوتار كل شيء تعزف ألحانا جميلة لا مثيل لها وتنادي الذكريات. كنت أترقب نزول المطر وأنا طفلة وأعشق اللعب تحته، والرذاذ يتساقط على ضفائر شعري، فقد كانت تأسرني الإيقاعات الشتوية والرسم فوق ضباب النوافذ الزجاجية. كنا ننظر للمطر لنرى أنفسنا في قطراته الصافية البلورية مرايا لحياتنا ولقاء الأصدقاء واللعب تحت المطر، والضحكة الصافية، وأصدقاء حقيقيين وابتسامات لا تنسى وشقاوة بريئة.
يا ترى هل هي ذكريات شتوية أم حنين الأشخاص، أم المكان، أم الزمان؟!
لما الشتا يدق البيبان تحضر معه رائحة الذكريات لكل شتاء سبقه، والشوق لأولئك الذين جمعنا معهم دفء بيت واحد، وجاء الذي كنا له نتخير في صغرنا أجمل الثياب من معاطف وقفازات، والقعدات واللقاء على كوب الجاي مع الحليب أو استكانة الجاي (شاي) ورائحة الفانيليا والبرتقال القادمة من قالب الكيك. ذكريات ولحظات من استدعاء الذاكرة في فصل الشتا حيث المطر والغيم ونسايم الهوا المنعشة أترحم على أمي العودة وجدتي وقرص العقيلي اللي تجهزه لنا على الفحم برائحته العطرة يفوح منه الهيل والزعفران تعطر أمسياتنا الشتوية الباردة ونحن نجلس حول «دوة الفحم» كل واحد منا يمد يده للحظة فوق الفحم المتوهج ثم يسحبها. ولا التخييم زمان في البر بهذا الفصل، للاستمتاع بالهواء الطلق، حياة بسيطة نستمتع فيها بالطبيعة والنبات الخضراء البرية وزهورها وبتلاتها المصاحبة لهذا الفصل مع هطول المطر. كنا نحيي الليالي أمام النار التي يوقدونها، وأكل الكستناء هذه اللذيذة التي تعطي تميزا للأجواء، حين يجتمع الساهرون حولها ويتلذذون بتقشيرها وتناولها ورائحتها المميزة، وبعض الأطباق الشعبية، والسمر وسماع الأغاني، والسوالف، ولعب المسابقات.
لا أعلم لماذا تحلى القراءة كثيرا في الشتا خاصة حينما تترافق الكتب مع فنجان قهوة او الشاي الساخن ببعض الخلطات العشبية المميزة مع صوت فيروز الذي يأتي «على الهدا» ليكون أعلى من كل شي في الدنيا، مع إحساسنا بجزء صغير من الدفء برفقة رفيقة العمر الذكريات.
حنين تزهر معه الروح بصحبة حبات المطر وتأخذ الأفكار والمعاني والكلمات معناها البعيدة، وتنساب في عمق النفس، وتصبح الذكريات رفيق العمر، ويصبح للحنين فصل مدلل اسمه الشتا ويا أهلا بالحنين.
عز الكلام: الشتا يصبح قارص البرودة على كل من لا يملكون الذكريات الدافئة.
[email protected]
Nesaimallewan@