التنشئة على عنوان الانتماء للوطن لا يكون بالتلقين اليومي في التاريخ والجغرافيا، بل أحيانا يحتاج إلى فعاليات ترسخ هذه القيمة بالنفوس بشكل تفاعلي وجذاب ومحبب وسرد كل تاريخ الأوطان، حيث يتلقاها المتلقي بمتعة وسط الاحتفال.
الأعياد الوطنية مناسبة اجتماعية تعكس الروح الوطنية التي يجب أن نستشعرها في عقولنا ووجداننا، ولنستدرك الأبعاد الوطنية العميقة في نفوسنا ونعكسها على أبنائنا حتى تؤسس المناسبات الوطنية الوعي السياسي.
تنشئة سياسية تؤطرها قيم الولاء والانتماء للوطن، الوحيدة على بناء الإنسان الصالح بحق وطنه والكفيلة وحدها بجعله السفير الأوفى لقضاياه.
والنفوس بحاجة دوما إلى تجديد وتعزيز شعور الانتماء، ومشاعر التصميم والإرادة لكل منا، وتقديم أفضل ما لدينا من أجل وطننا مهما كانت الطاقات التي نتحلى بها قليلة كانت أو كثيرة.
الاحتفاء بالمناسبات والأعياد الوطنية احد مقومات الهوية الوطنية، تتعمق الفرحة التي يعيشها الجميع بالوطن الأم وتترسخ بشكل أكبر في نفوس وعقول الأبناء، فرفع العلم يكرس مبدأ أن للإنسان راية عليه أن يبقيها عالية خفاقة.
المناسبات الوطنية تعزز قيمة الوفاء والإخلاص للكبار الراحلين الذين ذاقوا الصعاب من أجل الوطن، ووقفة فخر واعتزاز وتقدير لتضحيات شهداء الوطن الأبرار الذين هم المثال والقدوة في البطولة والتضحية في أسمى معانيها في سبيل تحقيق العزة والكرامة لوطنهم الغالي، وتوعية الأبناء بضرورة الحفاظ على تراث آبائهم وأجدادهم، وتذكيرهم بسيرة الرعيل الأول، وكيف استطاعوا بناء الوطن، بفضل اجتهادهم وصبرهم.
لماذا اختفت ملامح البهجة والسعادة في شهر فبراير تزامنا مع الأعياد الوطنية هذا العام من خلال رفع الأعلام في شوارع الكويت، وتزيينها وتجميلها في عيدها؟!
أعيادنا الوطنية كانت تمتاز برونق وخصوصية، حيث المباني والمنازل تتزين احتفالا بهذه المناسبة الوطنية المميزة، وتتفنن الشركات والمباني الحكومية والمدارس والأندية بالزينة، وتتسابق المحافظات بتزيين شوارعها ومبانيها، فكانت الكويت قبلة لأشقائها الخليجيين للاحتفال «بأفراح فبراير» شهر الأفراح والأعياد التي ينتظرها المواطنون بفارغ الصبر سنويا من اجل بث روح الفرح والبسمة، وذلك من خلال التواجد في الأماكن العامة والتراثية والأماكن الترفيهية، والتجوال في شوارع الكويت والمحافظات مع أبنائهم والاستماع للأغاني الوطنية في حالة وطنية خاصة.. ماذا حدث هذا العام؟!
هل استبدلت احتفالاتنا الوطنية وبهجة شهر فبراير وأفراحنا الوطنية بالصراعات السياسية والاستجوابات، وبروز ثقافة الشتائم والتطاول والتعصب فيتأثر الجيل الجديد من الأبناء ليفقد معنى الولاء والانتماء ويصبح وجوده من عدمه، إنسان ناقص الشعور عديم الوفاء غير مبال لأن «فاقد الشيء لا يعطيه».
اليوم نحن أحوج من أي وقت مضى لإحياء الروح الوطنية والتمسك بهويتنا.
أعداء الفرح أصحاب الصوت العالي يسعون إلى عودة البلد إلى الوراء، والتضييق على المواطنين، لا يريدون لها التقدم في وقت تعيش دول الجوار انفتاحا وحرية وصناعة الفرح والبهجة لمواطنيها.
لم تعد «أفراح فبراير» ملكية خاصة للكويت فقد استحدثت أعياد وطنية تتزامن مع أعيادنا.. فما أنتم فاعلون؟!
الجواب باين من عنوانه!
من بعد ما كانت الكويت قبلة أشقائنا في دول الخليج في هذا الوقت من السنة، تبدل الحال وأصبحت دول الخليج قبلة للكويتيين بحثا عن الفرح والبهجة، والعمل والابتكار والحياة، بعيدا عن مرارة التحجيم والفكر الرجعي والممنوع، وقتل الفرح والحياة.
فلا عجب، اليوم أصبحنا ندق على الأبواب العتيقة لنعيش الفرح، أصبحنا نحِنُّ إلى الماضي الذي كان أكثر حرية وحضارة وانفتاحا، واحة للإبداع والفكر الناضج المتحرر من قيود الجمود والنمطية.
يا فبراير بأي حال عدت يا عيد؟!
عز الكلام:
قالوا: الكويت؟ قلت: ذاك كوكب
تهفو له النجوم حين تنظر
العز في ساحاته منابت
طابت مجانيها وطابت الشجر
أرض الجدود لا برحت للهوى
منازلا يخطر فيها القمر
عشنا على ثراك يدعونا له
هوى على نفوسنا مقدر
وذكريات كلما طافت بنا
تنفس الورد وفاح العنبر
«أرض الجدود - الشاعر أحمد مشاري العدواني»
Nesaimallewan
[email protected]