لم تكن الإساءة الأخيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تأخذ هذه الأبعاد لولا للأسف التدخل السياسي فيها، وخاصة ما أفصح عنه الرئيس الفرنسي تجاه الإسلام والمسلمين، وردة الفعل السيئة منه، التي لم تقل عن الفعل المشين البعيد عن تعاليم الإسلام، الذي قام به قاتل المدرس الفرنسي، ففعلة هذا القاتل لا يقبلها أحد، ولا يحث عليها ديننا الحنيف كرد فعل لإساءة الرسام إلى المسلمين بتعديه على أحب شخص إلى قلوبنا وهو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
إن التستر بحجة حرية التعبير بالإساءة إلى الرسول الكريم وإلى حرق المصحف المقدس (القرآن) ليس له مكان في عالمنا هذا إلا شيء واحد هو زيادة الكراهية بين الشعوب، رغم أن حرية التعبير في فرنسا تقف عند أي شخص يتكلم عن الهولوكوست أو معاداة السامية فتنبري له المنظمات ووسائل الإعلام لتصمه بأقدح العبارات، أما إثارة ملياري مسلم برسوم كارتونية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وحرق القرآن فيعتبرونه حرية تعبير، أي منطق هذا؟!
لعلي أستحضر مؤتمر الإرهاب الدولي الذي عقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية الشقيقة عام 2005 وتم تقسيم جدول المؤتمر إلى حلقات نقاشية منها حلقة «جذور الإرهاب» شاركت فيها الكويت، وكنت شخصيا ممثلا للوفد الكويتي فيها إلى جانب ممثلي أميركا وماليزيا ومصر وكندا وهولندا وبريطانيا وعدد آخر من الدول، وكانت بحق من أهم الحلقات في ذلك المؤتمر لأنها تمس الإرهاب، وكانت وجهة النظر أن الفقر هو السبب! وكانت مداخلتي تتمثل بأن الأساس الرئيس للإرهاب هو التعدي على الأديان والرسل والكتب السماوية وحتى المعتقدات أيا كانت بحجة حرية التعبير بما تبثه وسائل الإعلام الأجنبية وليس الفقر فقط كما يدعي! وذكرت أن أي مساس بها دون وجود رادع لحرية التعبير سيؤدي بلا محالة إلى الإضرار بمئات الملايين من المؤمنين بها كما هو حاصل بمن يتعدى على السامية!
فما بالنا بملياري مسلم يتم إهانتهم برسوم كرتونية وحرق كتابهم المقدس وتكرار حالات التعدي وإثارة مشاعرهم مما يولد شعورا بالانتقام لدى بعض المسلمين ممن يأخذون الانتقام بيدهم سبيلا للتعبير عن رفضهم للإساءة! فهل نلوم المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو الهندوسي وغيرهم إذا تعرضت مقدساتهم ورسلهم للإهانة إن أقدم أحدهم على فعل وبالتبعية يوصم بالإرهابي؟ إن المنطق يتطلب أن تقف الحكومات مع الثوابت التي يعتنقها المليارات من الناس ووضع حد رادع لمن يتجاوز على الأديان والرسل وليس هناك مجال لحرية التعبير في هذه المسألة التي تثير المشاعر وتزيد الكراهية ليس على مستوى الدول فقط بل على المستوى الشعبي وهو الأهم!
ولا يخفى أن الإهانة المستمرة لملياري مسلم تتطلب ليس شجبا حكوميا لإرضاء الشعوب بل توجها دوليا صادقا يجعل التعرض للأديان ولمعتقديها حصانة لا يمكن تجاوزها تحت أي ذريعة.
ونحن هنا في الكويت وفي دول عربية وإسلامية كثيرة ولله الحمد تغير الخطاب الديني بعدم الدعاء على اليهود والنصارى بنهاية كل خطبة، وهذه هي السياسة وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وسنة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، فكيف أدعو على من يعيش بين ظهرانينا والمطلوب منا حمايتهم، كما أننا نعيش في عالم صغير يتقارب يوما بعد يوم بتطور تكنولوجيا الاتصالات مما يؤدي إلى إثارة المصلين تجاه شعوب أخرى وبالتبعية المعاملة بالمثل، كما أن الإيمان بالتعايش السلمي هو الأساس بين الشعوب وليس بث الكراهية والحقد التي لا تؤدي إلا إلى الإرهاب.
فهل يعي الرئيس الفرنسي الذي لم يفتأ بالهجوم على الإسلام والإصرار على تحدي مشاعر المسلمين بتصريحات سياسية والمفترض فيه أن يحكم بين كل المقيمين في فرنسا.
نعم، نشجب ما قام به القاتل الذي لا يمت للإسلام وبتعاليمه السمحاء بصلة، وفي الوقت ذاته نستنكر لإصرار ماكرون وأركان حكومته على تحدي مشاعر المسلمين على الرغم مما نكنّه لفرنسا رئيسا وحكومة وشعبا من تقدير واحترام كما لا نقبل أي تعبير لإهانة شخص الرئيس وبأي صورة كانت بحجة الدفاع عن نبينا الكريم وان يكون النقد بناء لكن ما وقع فيه الرئيس وحكومته أمر لا يستساغ ولا يمت للسياسة والفصاحة بصلة ولا خير فينا على الأقل إن لم نشجب التصرف الرسمي الفرنسي وعلى من يتعدى على ثوابتنا الدينية وخاصة قرآننا ونبينا
[email protected]