تبرهن الدراسات الأمنية الحديثة على أن خطر الغزو أو الحرب التقليدية بين قوتين أو «دولتين» بدأ بالتراجع في سلم أولويات المخاطر الأمنية في أغلب دول العالم.
الحروب الحديثة - على الأغلب - تحدث بين دولة أو دول من جهة، وجماعات مسلحة من جهة أخرى، مثال الحروب الأخيرة كحرب اليمن، والحرب العالمية على داعش بالعراق وسورية، تلك الجماعات أو التنظيمات تسمى أحيانا بـ «التنظيمات تحت الوطنية»، لأنها لا تمثل الدولة التي توجد بها، وتسمى أيضا بالجماعات «العابرة للقوميات»، لأن تأثيرها يتعدى أوطانها، بل أحيانا ترتبط تلك الجماعات بعلاقات مع دول أخرى تدعمها، وتتحكم بها عن بعد.
«القاعدة»، و«داعش»، وحزب الله، وميليشيات الحشد الشعبي، أحد أهم تلك التنظيمات العابرة للدول، والأكثر تهديدا لأمن المنطقة والعالم، فالتنظيمات الشيعية تقف وراءها دول وحكومات، كما أن تأثير تلك التنظيمات واضح على الحياة السياسية في العراق ولبنان ومصادرتها القرار الحكومي فيهم، بينما لا دليل مؤكدا بأن تنظيم «داعش» ومن قبله القاعدة يتمتعان بدعم دولة معينة، ولكن من المؤكد أن هناك من يستفيد من كلا التنظيمين بطريقة غير مباشرة، وعلى غرار لعبة الشطرنج، حيث يسمح لـ «داعش» بالتقدم خطوة أو خطوتين، ليقوم اللاعب الآخر باكتساح رقعة الشطرنج أو المنطقة!
إذا كانت المصائب لا تأتي فرادى، فكذلك الأخطار الأمنية في منطقتنا لا تأتي منفردة، بل تأتي حزمة واحدة، حتى أنك لا تعلم من أتى قبل الآخر، أو من كان سبباً ومن كان نتيجة للآخر، كالطائفية، والإرهاب، والدولة الفاشلة، الأكيد أن التدخل الأميركي في العراق اعتمد على كارت الإرهاب، وعندما ضعف هذا السبب أشعل الأميركان الطائفية، بل ومؤسسوها في هيكل السلطة العراقية «المجلس الانتقالي» إبان الاحتلال الأميركي للعراق، ليتحول العراق إلى دولة فاشلة، وها هي المنطقة تجني ثمار ما زرعه الأميركان. إن انهيار السلطة السياسية أو «الدولة الفاشلة» في اليمن وسورية وليبيا، نتيجة انتشار الحروب الأهلية ذات الطابع الإثني والطائفي والإرهاب، سواء إرهاب الجماعات، أو إرهاب الدولة، جعل تلك الدولة الفاشلة مصدرة للإرهاب والطائفية والجريمة المنظمة والهجرات والنزوح السكاني للدول المجاورة، وما يمثل ضغوطا أمنية وسياسية واقتصادية على دول الإقليم.
ولعل الاضطرابات الأخيرة في العراق، والتي تهدد الدولة العراقية بالانهيار مرة أخرى، نبهت الإقليم بأن هناك احتمالا أن تشتعل الأوضاع السكانية في العراق، مما يعني هجرة ونزوح عدد كبير من العراقيين إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى سيطرة الجماعات المسلحة على المناطق المجاورة لحدود دول مجلس التعاون الخليجي، لتبدأ بمناوشاتها وتهديدات للمنطقة ونشر الإرهاب فيها، مما يحتم على دول مجلس التعاون أن تتعاون فعلا، بدلا من أن تتنازع مع بعضها البعض.
الخاتمة: التهديدات الأمنية التي يتعرض لها الأمن القومي العربي والخليجي بالتحديد هي تهديدات أمنية جديدة (غير تقليدية) كالإرهاب والطائفية، وربما سيضاف لها قريبا الهجرات المكثفة، نتيجة للنزوح السكاني الإنساني لها من دول الجوار، وتحتاج دول الخليج إلى وسائل جديدة للتعامل معها، وهي أصعب من مخاطر التهديدات التقليدية، والذي يكفي لمواجهتها شراء الأسلحة أو عقد اتفاقيات أمنية مع دولة عظمى، ولذلك وجب التنبيه.