تعرف السياسة الخارجية بأنها خطة العمل الرسمية للدولة في المجال الخارجي نحو الدول الأخرى والمنظمات الدولية واتجاه القضايا الدولية، وعادة ما تتخذ تلك السياسات من أعلى الهرم بالسلطة، ويقوم بتطبيقها الموظفون التنفيذيون كل في مجاله. حتى في الدول الدستورية والديموقراطية تبقى صلاحيات كبيرة جدا في السياسة الخارجية بيد رئيس الدولة أو رئيس الوزراء.
لذلك ظهرت نظرية في العلاقات الدولية تحاول تفسير السياسة الخارجية وتتنبأ بها، عن طريق دراسة شخصية متخذ القرار، ولو طبقنا نظرية متخذ القرار على السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس أوباما وترامب كمثالين معاصرين لنا، ولتشابه القضايا الدولية التي تعامل كلا الرئيسين معها، لنؤكد أو ننفي نظرية متخذ القرار.
من المعروف جدا أن «إسرائيل» و«البترول» هما أهم أهداف أميركا في منطقة الشرق الأوسط، والسؤال كيف تعامل أوباما وترامب معهما؟
الرئيس أوباما ذو الثقافة الحقوقية والديموقراطية، والمؤمن بالوسائل الديبلوماسية، ودعم حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهندسة الاتفاق النووي الإيراني لتأمين إسرائيل أولا من التهديد الإيراني، وتأمين ظروف جيوسياسية مريحة في منطقة الخليج، لضمان إمدادات البترول ثانيا، مما أدى إلى غضب رئيس الوزراء نتنياهو عليه، وسبب قطيعة شخصية بينهما، حتى إن بعض الخليجيين لم يكونوا مرتاحين من الاتفاق النووي الإيراني، فكان اجتماع كامب ديفيد الخليجي، والذي جدد فيه أوباما التزام أميركا بأمن دول الخليج العربي، بل وأقر برنامج الدرع الصاروخية الخليجية أسوة بإسرائيل، وهو برنامج دفاعي لتوفير أسلحة متطورة أميركية للحماية، والنتيجة حقق الأمن لحلفائه، وكانت أسعار النفط معتدلة.
بينما كانت سياسة ترامب لتحقيق الأهداف نفسها مختلفة جدا، فقد ذهب بعيدا لإرضاء عنتريات نتنياهو، بدءا من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وزعم أنه لا يحقق أمن إسرائيل، كما يروج نتنياهو الذي سعى للتقرب منه لدرجة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مما أدى إلى قتل أي أمل في حل عادل للقضية الفلسطينية، وفق حل الدولتين.
أما بالنسبة لإمدادات البترول، فقد عقد ترامب المشاكل في أهم منطقة في العالم لإنتاج البترول، وهاهو يتوعد إيران بحصار سيخفض المعروض من البترول، مما أدى إلى ارتفاع كبير بأسعاره، حتى حلفاء ترامب، ورغم أنه يأمرهم ليل نهار بمزيد من الإنتاج إلا أن إمكاناتهم لها حدود، كما استغل ترامب الأوضاع المتوترة في الخليج لسحب مزيد من الأموال على صفقات عسكرية، لن تحقق لهم الأمن بشهادة ترامب نفسه، بعكس تعهدات أوباما وبرنامجه الواقعي وغير المكلف، مقارنة بما يفرضه ترامب علينا كخليجيين، بل في زمن أوباما كان يدعم وحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي وأزمة ٢٠١٤ دليل على ذلك، بينما ترامب حتى من خلافات الأشقاء الخليجيين يتكسب ماديا.
الخلاصة: مما سبق يتأكد لنا أن شخصية متخذ القرار في السياسة الخارجية حتى في الدولة الديموقراطية، ورغم ثبات أهدافها، إلا أن الوسائل تختلف، بل وتناقضت لدرجة أنها باتت تؤثر على الأهداف نفسها، فما بالك بالدول التي إذا تغير الحاكم فيها تغيرت الأهداف والوسائل معا؟!
[email protected]