يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس ترامب تسوق دول المنطقة سوقا إلى التطبيع مع إسرائيل، وتحت ذرائع مختلفة، أحدها الخطر الإيراني، ويتناسى العرب أن إسرائيل هي أخطر تهديد تعرضوا له منذ احتلالها دولة فلسطين 1948 ولا تزال.
فالولايات المتحدة، وعن طريق ديبلوماسية المؤتمرات، تحاول خلط العرب غير المطبعين مع إسرائيل، فمثلا نرى وزير الخارجية اليمني الممثل للشرعية يجلس بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (كتفا بكتف)، وكذلك نجد أن بعض الدول العربية ارسلت وزراء خارجيتها إلى المؤتمر، في حين تجنبت أهم الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا التمثيل الديبلوماسي العالي في وارسو، وأرسلت موظفيها الصغار إلى المؤتمر، وكذلك فعلت تركيا وقطر والكويت.
لا يمكننا أن نتصور كيف لن يحتك العرب غير المطبعين مع إسرائيل، ومؤتمر وارسو سيشكل ست لجان عمل تعنى كل منها بمحاربة تهديد الأمن السيبراني، والصواريخ الباليستية، ومحاربة الإرهاب، وأمن الطاقة، وأمن الطرق البحرية، وحقوق الإنسان، بالتأكيد ستجمعهم لجان العمل بعد أن فرقتهم القضية الفلسطينية العادلة، والتي تم تهميشها في مؤتمر وارسو، وكأن العرب تخلوا عن قضيتهم المركزية.
ختاما: تمخض جبل مؤتمر وارسو وولد فأرا هو تصريحات بومبيو الأخيرة في ختام المؤتمر، عندما قال إن المعركة القادمة ستكون مع قاسم سليماني وروحاني، وهذا التصريح للاستهلاك الخليجي فقط، ويذكرنا بتصريح زميله بولتون في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس منذ عدة أشهر، عندما قال إن ملالاي إيران لن يحتفلوا بعيد الثورة الإيرانية الأربعين، ما اعتبره الكثيرون بأنه تهديد شديد اللهجة، وربما كان بولتون يلمح إلى عمل أميركي عسكري وشيك ضد إيران، ولكن الحقيقة أن شيئا من هذا لم يحدث، واحتفل الإيرانيون بعيد ثورتهم.
الخلاصة: رسالة إلى الوارسويين (نسبة إلى المجتمعين في مؤتمر وارسو)، أولئك الذين يؤمنون بأن عدو الأمس سيحارب بدلا عنهم عدو اليوم، أو أولئك الذين يتصورون أن إسرائيل والغرب سيجازفون بتغيير ميزان القوى لصالح العرب مقابل إيران، ويخسرون بذلك مصالحهم بابتزازهم دول المنطقة، واللعب على التناقضات العربية الإيرانية، ويقوى العرب مقابل إسرائيل.