مازالت الجماهير العربية تنظر إلى حراك السودان وتأمل بأن يجتازوا عنق الزجاجة ليعبروا منها الى الحرية والكرامة والازدهار.
لقد قدم الثوار السودانيون أرقى صور المظاهرات السلمية والاعتصامات رغم العنف الدموي الذي واجهوه من العسكر، إلا انهم حافظوا على الأمن والاستقرار.
وبدعم أفريقي غير مسبوق وبنوايا صادقة للوسطاء، تنازلت قوى إعلان الحرية والتغيير الممثل الحقيقي للثورة السودانية لتتقاسم السلطة الانتقالية مع المجلس العسكري، ووقعت الأربعاء قبل الماضي على الاتفاق السياسي مع العسكر بحضور الوسطاء الدوليين وعلى مرأى من الإعلام.
على الرغم من احتواء الاتفاق على الخطوط العريضة لشكل السلطة الانتقالية ومؤسساتها كالمجلس السيادي والحكومة والبرلمان وطريقة تشكيلها، إلا أن هناك عددا من العقبات التي قد تعترض هذه التسوية منها: عدم الاتفاق على تشكيل المجلس التشريعي وتأجيله إلى ما بعد تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة، والخلاف كان حول نسبة ممثلي قوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي.
وهناك أيضا مشروع الإعلان الدستوري الذي كان من المقرر التوقيع عليه الجمعة الماضية ولكن تم تأجيله لخلافات حول صلاحيات أجهزة الحكم الثلاثة، والحصانة التي يقال ان العسكر حريصون عليها.
وعلى افتراض قدرة العسكر وقوى الحرية والتغيير على إنجاح الاتفاق المبدأي، هناك بعض المكونات السياسية السودانية كقوى الإجماع الوطني السودانية أحد مكونات الحرية والتغيير بالإضافة الى الجبهة الثورية السودانية وغيرهما من التجمعات الرافضة للاتفاق التي تم التوصل اليه، ومازالت المفاوضات بينهم تجري في أديس أبابا!
حصانة أعضاء المجلس السيادي أو العسكري أو كليهما قد تربك العدالة التي يطالب بها المتظاهرون السودانيون ضد من استخدم العنف ضدهم وقتل الكثير من المدنيين السلميين.
أخشى أن يكون الاتفاق مجرد وسيلة لتهدئة الشارع السوداني مؤقتا ليتغلغل نفوذ العسكر في المجتمع وتدب الخلافات بين الثوار حول التفاصيل ويضعفون مقابل العسكريين، وهنا نكون أمام انقلاب رسمي وثورات مضادة وكل التسلسل المعروف لفشل ثورات الربيع العربي.
ختاما، تكالبت على السودانيين جميع الأمراض السياسية والاقتصادية والأمنية من فقر وإرهاب وديكتاتورية - ظلمات بعضها فوق بعض - عانوا منها لسنوات طوال، وأتمنى لو يتضامن الثوار المدنيون ويترفعون عن الخصومة السياسية أو الفكرية بين مكوناتهم ويأجلونها إلى ما بعد استقرار المجتمع، وألا يكونوا سببا في انقضاض العسكر على السلطة.
نصيحة: السودانيون بحاجة الى جبهة ثورية عريضة تضم اغلب القوى السياسية يتم داخلها حسم الخلافات حتى لا يتم استغلالها لإفشال الثورة، خصوصا ان الفترة الانتقالية طويلة نسبيا.