لماذا عندما يستشعر فصيل سياسي عربي أنه الأقوى بين نظرائه بالوطن يبدأ باستخدام القوة المفرطة ضد أبناء شعبه؟ لو نظرنا حولنا نظرة خاطفة وخصوصا إلى دول الربيع العربي سنجد هذا المشهد حاضرا أمامنا، فصيل سياسي يستقوي بالجيش وآخر هو الجيش نفسه وثالث يكون جيشه الخاص، وبالتأكيد ليس لمحاربة الأعداء وتأمين الحدود بل لمحاربة أبناء شعبه مقابل التفريط بواجبات الجيش الحقيقية من تأمين لحدود بلده وسيادته.
هناك من يقرأ نتائج ثورات الربيع العربي بطريقة عكسية، تبدأ من الحكم عليها بأنها ظاهرة مدمرة لا تبني دولة، وأن البقاء بعصمة الديكتاتور أفضل من الطلاق والحرب كما في حالة سورية واليمن وليبيا، ويتجاهلون الحالة التونسية الأكثر استقرارا ربما بين جميع الدول العربية الوراثية!
تونس مهد ثورات الربيع العربي أعطت دروسا في كيفية الثورات وإنجاح عملية الانتقال الديموقراطي، لم يثب الجيش على السلطة ولم يستقو فصيل بأتباعه ويكون جيشه الخاص كحالة حفتر ليبيا، بل تشارك الفائزون بالانتخابات الأولى - وهم الإسلاميون - السلطة مع أغلب الأحزاب المحافظة، وحتى لما خسر الإسلاميون الانتخابات الثانية وفاز نداء تونس العلماني تعايش الاثنان معا رغم الاختلافات الجذرية والعميقة بينهما، ربما لأنها قصة تونسية لا تصلح إلا في ربوعها الخضراء.
حتى بعد أن غيب الموت الرئيس السبسي لم تتزعزع البلاد، بل نادوا إلى انتخابات رئاسية جديدة، بالمناسبة السبسي عند فئة من التونسيين هو رجل دولة من الزمن الجميل «بدايات الزعيم الراحل بورقيبة» قبل أن يتلوث نظامه، لذلك انتخبه التونسيون في حالة تشبه الحنين إلى الماضي فقط، فحزب نداء تونس تشكل كعمل سياسي سريع لقرب الانتخابات بعد الثورة التي فاجأت الجميع، ولم يكن هناك تجمع سياسي ليبرالي يتمتع بشعبية كبيرة، فكان الحل العلماني هو التصويت لنداء تونس المكون من بقايا أغلب التجمعات العلمانية اليسارية والنسوية وغيرها، لم يفوزوا بالانتخابات الأولى بعد الثورة بل فاز الإسلاميون بالمجلس التأسيسي الذي أعد الدستور الجديد ومؤسسات الدولة الديموقراطية.
كان الفائز بالانتخابات الأولى في تونس هو حزب النهضة الإسلامي، أو كما يحلو للتوانسة تسميته «الديموقراطيون الإسلاميون» مثلما يسمي الغرب الأحزاب الدينية كحزب «الديموقراطيين المسيحيين» بألمانيا.
ولكن فضل الإسلاميون الابتعاد عن المناصب الكبيرة درءا للشبهات، وتركوها لحلفائهم بالائتلاف وبالتحديد للمنصف المرزوقي من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
ختاما، يفضل حزب النهضة خوض الانتخابات وتسمية أحد زعماء حزبهم السيد عبدالفتاح مورو كمرشح لرئاسة تونس الخضراء، فلقد اطمأن التونسيون أن الإسلاميين يؤمنون بتداول السلطة ولا يسعون إلى الاستئثار بها، بالرغم من أن كثيرا من المراقبين وخصوصا من خارج تونس، يخشون من أن تعاد أحداث مصر، وأقصد التراجع عن الديموقراطية وعدم احترام رغبة الشعب إذا ما جاءت بالإسلاميين إلى السلطة.
الخلاصة: تونس أعطت العالم العربي درسا بالديموقراطية، وأتمنى أن يستمر المثال الديموقراطي التونسي الذي يحترم الاختلاف والتعايش السلمي الديموقراطي.