عمليا اليمن الشمالي بيد الحوثيين ولديهم نفوذ سياسي كبير بين قبائله ومدنه، وأما اليمن الجنوبي فقد سقط بيد المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني، خصوصا بعد طرد الشرعية وقواتها من مؤسسات الدولة ومبانيها في عدة مناطق في الجنوب، وتسيير المظاهرات الشعبية المؤيدة له، وتجرأ المجلس الانتقالي على اسقاط مدينة ابين بالقوة المسلحة بعد رفض محافظها الانصياع لهم وتأييده الشرعية اليمنية، ومحاولة النخبة الشبوانية السيطرة على مدينة شبوة والتي أفشلتها قوات الشرعية.
هناك بعض المعضلات القانونية والسياسية للانفصال تهدد اليمنيين
في الجنوب اليمني، وتهدد تماسك تحالف الشرعية، منها:
اولا: اذا فقد الرئيس هادي شرعيته بسبب تصرفات بعض الحلفاء وانشقاق المجلس الانتقالي عن الشرعية ومهاجمته له سياسيا وعسكريا، وينسى البعض انه لا احد يستطيع ان يحل محل هادي او ان يكسب شرعية جديدة لـ«يمن موحد»، لأسباب دستورية بحتة، حيث لا يمكن عقد انتخابات رئاسية جديدة كالتي فاز بها الرئيس هادي والذي تحصل هادي على شرعية يمنية وإقليمية ودولية وفق المبادرة الخليجية المعدلة والذي شاركت الأمم المتحدة في صياغتها.
من الواضح جدا في الوقت الحاضر عدم توافر اجماع يمني او خليجي بعد حصار قطر، وبالتالي يعتبر المساس بالشرعية ورموزها يفقد الحرب مشروعيتها.
ثانيا: قراءة بسيطة للتاريخ السياسي لليمن الحديث والمعاصر ستلاحظ ان اليمن الشمالي حكمته المملكة المتوكلية اليمنية الزيدية بشكل موحد لم يتزعزع حكمهم حتى من الاستعمار البريطاني ولم تسقط دولتهم الا بثورة وطنية عام ١٩٦٢ أسست على أثرها الجمهورية العربية اليمنية، اما اليمن الجنوبي فمن الواضح انه لم يشكل قط، وحدة سياسة تجمع بين مدنه، بل كان عبارة عن مجموعة من المشايخ سمّوا بالسلاطين، ولم يستطيع حتى الاستعمار البريطاني ان يدمج هذه المشايخ او السلاطين في اتحاد واحد وهو اتحاد إمارات الجنوب العربي الذي أنشأته بريطانيا لمقاومة حركات التحرر القومية، نحن امام حقيقة تاريخية غير قابلة للنقض - وهي - لم يكن هناك على مر التاريخ يمن جنوبي موحد على الإطلاق، الا بعد مرحلة الاستقلال وثورة 30 نوفمبر 1967 حيث تم جلاء الإنجليز وقيام جمهورية اليمن الجنوبية.
هذه الأوضاع الاجتماعية والسياسية كلها تؤكد ان الجنوبيين امام مخاطر كبيرة يجب ان يعوها، فالبقاء في جمهورية موحدة قد يعطيهم مزيدا من الاستقلالية لمدنهم وأقاليمهم، خاصة اذا ما انتهى تهديد الحوثي وتم إقرار دستور وأنظمة سياسية جديدة من وحي ثورة ٢٠١١، اما الانفصال في يمن جنوبي لم تترسخ فيه المواطنة ومع تعدد الاثنيات والهويات الثقافية، سينجم عن هذه الأوضاع تهديدات امنية خطيرة كالانقسامات السياسية والاقتتال الداخلي والإرهاب.
والاهم من كل ذلك ان المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني لا تبشر بالخير فهي مشروع لديكتاتورية عسكرية ستحكم اليمن الجنوبي اذا ما تحقق له الانفصال.
ختاما: ندم السودانيين في الشمال والجنوب على الانفصال فقد سحق الشماليين فقرا وأما الجنوبيون فقد مزقهم التنافس والفرقة كما أوضح مؤخرا رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، كما ان الانفصال يجب ان يكون وفق إجراءات تحترم حقوق المواطنين في الاختيار وتقرير مصيرهم كالاستفتاء العام الذي تشرف عليه هيئات دولية، ويحتاج ايضا الى مواءمة سياسية داخلية وإقليمية ودولية، فالأسبان ومن وراءهم الاتحاد الأوربي رفضوا ان يقيم إقليم كاتالونيا استفتاء للانفصال، ولم يحترم العراقيين ولا العالم اجمع نتيجة استفتاء انفصال كردستان العراق.