الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن تركيا من اكثر الدول التي يلجأ إليها السوريون بحكم أنها دولة مجاورة وحكومتها تحاول رعاية اللاجئين بكل إمكانياتها، ولذلك يدعم الأوروبيون هذه الجهود التركية الإغاثية للسوريين باعتبار أن تركيا «دولة مصد» للاجئين السوريين لكى لا يتسللوا إلى أوروبا.
ومما لا شك فيه - أيضا - أن سورية في مجملها غير آمنة سواء في الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري أو الأراضي التي يدور فيها القتال مع بقايا الإرهابيين أو أراضي الانفصاليين التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية الكردية او حتى الأراضي التي تحت سيطرة الجيش الحر.
ووفقا للمعطيات السابقة، ومع احتمالية تزايد اللاجئين السوريين إلى تركيا اذا سيطرت القوات الكردية على المناطق الحدودية السورية الكردية، فلذلك أطلقت تركيا عملية نبع السلام في الشمال السوري بهدف «إزالة الممر الإرهابي الذي يحاولون إقامته جنوب بلادنا وإحلال السلام في المنطقة.... وإقامة منطقة آمنة تضمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، بحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
من المؤكد أن الأكراد السوريين وبقيادة حزب العمال الكردستاني اعتقدوا بإمكانية تحقيق حلم الدولة الكردستانية في ظل الأوضاع السورية والعراقية المتردية ومع توافر الدعم الأميركي، ولكن يبدو أن الحلم تحول إلى كابوس، فالأميركان انسحبوا والأتراك دخلوا بكل قوتهم إلى المناطق الحدودية السورية، والروس والحكومة السورية يقفان متفرجين دون عمل شيء مؤثر.
حتما سيتلاشى حلم الدولة الكردية في سورية، كما كان الحال في العراق، والذين حاولوا مرات عديدة الانفصال عن العراق - مرة عندما تحصلوا على حكم ذاتي بعد حرب الخليج ١٩٩٠-١٩٩١، ومرة ثانية بعد حرب العراق ٢٠٠٣ حاولوا الاستقلال ولم يؤيدهم احد، والمرة الأخيرة التي حاول أكراد العراق الانفصال فيها، هي بعد الحرب العالمية ضد الإرهاب، حين نظم الأكراد في كردستان العراق في سبتمبر ٢٠١٧ استفتاء عاما حول الاستقلال عن العراق وبالفعل اختار أكراد العراق الانفصال، ولكن لم يسمح لهم بذلك سواء من أبناء بلدهم الأم العراق أو الدول الإقليمية المجاورة أو الدول العظمى.
ختاما - لم يلفت نظري كثيرا دخول الأتراك، فقد كان متوقعا خصوصا أنها لم تكن المرة الأولى للأتراك فقد سبق ان اجروا عمليات عسكرية داخل سورية، ونتذكر جميعا عملية «غصن الزيتون» و«درع الفرات»، وكذلك لم يفاجئنا الأكراد السوريون في محاولتهم السيطرة على الشمال السوري، ولكن الذي لم يكن متوقعا هو موقف جامعة الدول العربية التي تنادت بعض دولها الى عقد اجتماع طارئ لمناقشة التدخل التركي في سورية!
أيعقل أن يتحرك بعض العرب للتنديد بتدخل له مسوغاته، في منطقة لا يتواجد بها قوات سورية أصلا بل مجموعة من المسلحين ومن فئات مختلفة، ولم يتنادوا أو يتخذوا موقفا قويا من تقطيع وذبح السوريين بالملايين وتهجير الملايين من السوريين العرب على أيدي الميليشيات الطائفية والقوات الروسية، نعلم أن انزعاج بعض العرب من الأتراك نتيجة مواقف خاصة لهم من القيادة التركية فقط!
الخلاصة: سورية دولة فاشلة بحسب المعايير الدولية وينتشر فيها الإرهاب والجماعات المسلحة وهي محاذية للحدود التركية الملتهبة أصلا من جماعة حزب العمال الكردستاني، فهل تنتظر تركيا أن يصل التهديد إلى أراضيها ومواطنيها، وحتما لن تنتظر تركيا موافقة جامعة عربية بائسة لم تحل قضية عربية قط.